لبنان
07 تشرين الثاني 2022, 11:20

أفرام الثّاني افتتح مؤتمر مستقبل الحضور المسيحيّ في المشرق، وهذه كلمته!

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني، صباح الجمعة في المقرّ البطريركيّ في العطشانة، مؤتمر "مستقبل الحضور المسيحيّ في المشرق"، الّذي نظّمه المركز المجريّ لدراسات المسيحيّة المشرقيّة ومركز المشرق للأبحاث والدّراسات، وشارك فيه عدد من الباحثين والأكاديميّين والمتخصّصين في قضايا المسيحيّة المشرقيّة، بحضور ممثّلين عن البطاركة ولفيف من المطارنة وفعاليّات أكاديميّة وباحثين ومهتمّين بقضايا مسيحيّي الشّرق، إضافة إلى سكرتير الدّولة لشؤون مساعدة المسيحيّين المضطهدين الوزير الهنغاريّ تريستان أزبي، والسّفير الهنغاريّ في لبنان فرنس تشيلاغ، والسّفير السّوريّ في لبنان علي عبد الكريم علي.

خلال الافتتاح، كانت كلمة للبطريرك أفرام جاء فيها بحسب إعلام البطريركيّة: "أيّها الحضور الكريم،

يُسعدني أن أرحّب بكم جميعًا في مقرّنا البطريركيّ هنا بالعطشانة في مستهلّ هذا المؤتمر الّذي ينظّمه كلّ من المركز الهنغاريّ لدراسات المسيحيّة المشرقيّة والمركز المشرقيّ للدّراسات.

نلتقي اليوم في ظلّ تحوّلات جذريّة ووجوديّة تمرّ بها منطقتنا والكثير من دول العالم، حيث سقطت الكثير من المفاهيم وتضعضعت نُظمٌ كثيرة تاركةً الإنسان في حالة من الارتباك وعدم اليقين بما ينتظر بشريّتنا من مستقبل قاتمٍ مهدَّدٍ بالانفجار في أيّة لحظة.

وقد أظهر وباءُ كورونا الاختلالَ الكبير وعدم التّكافؤ بين دول وشعوب العالم. وفي ظلّ التّهافت الكبير على الحصول على اللّقاحات وغيرها من أساليب الوقاية، كادت بعض الدّول- حتّى الصّديقة منها- أن تُعلِنَ حربًا على بعضها البعض. فانكشفت هشاشة نُظُمِنا الإنسانيّة والسّياسيّة وحتّى الدّينيّة.

واليوم، يعيش العالم مأساة الحرب في أوروبا، الّتي هي في ظاهرها تَقاتُلٌ روسيٌّ- أوكرانيٌّ ولكنّها في جوهرها تنافُسٌ على قيادة العالم والاستيلاء على ثرواته. وأمّا الضّحيّة فهو مرّةً أخرى الإنسانُ المُسالِمُ الّذي يسعى إلى الحصول على لقمة العيش.

أمّا في منطقتنا هذه الّتي ابتُلِيَت بالحروب والخصومات منذ أجيال، فالإنسان يفقد كرامته كلَّ يوم وهو يسعى جاهدًا لتدبير احتياجاته الضّروريّة للحياة. والمسيحيّ- ربّما أكثر من غيره- يشعر بالخوف ممّا ينتظره، وذلك بسبب التّجربة الّتي مرّ بها خلال السّنين القليلة الماضية ونعني الهجمات الهمجيّة للجماعات الإرهابيّة التّكفيريّة الّتي لم توفّر البشر ولا الحجر في محاولة منها لطَمْس كلّ ما يميّز هذه البلاد من إرث حضاريّ مادّيّ أو روحيّ أو معنويّ. فسارَعَ المسيحيّون قبل غيرهم للهجرة، وهكذا يكاد مشرقُنا هذا يخلو من مسيحيّيه الّذين أسهموا في بناء حضارته، وتركوا فيه بصماتٍ لا تُمحى على مرّ العصور. وبدون شكّ، فإنّ هذا الغياب المسيحيّ لا يضرّ فقط بالمسيحيّة المشرقيّة الّتي تجسّد اليوم القِيَمَ المسيحيّة الحقيقيّة بعد ما أصاب الغرب من ضعف، وما انتشر فيه من تيّارات مادّيّة وإلحاديّة، بل هو ضربة للمجتمع المشرقيّ بأكمله: فالمُسلِمُ أيضًا بحاجة إلى استمرار الوجود المسيحيّ في منطقتنا لئلّا تُصبحَ هذه البلاد ذاتَ لونٍ واحدٍ يؤدّي إلى انغلاقٍ على الذّات ومزيدٍ من التّعصّب الدّينيّ.

فالوجودُ المسيحيُّ في المشرق ضرورةٌ مُلِحَّةٌ لأبناء المنطقة بمختلف انتماءاتهم وذلك لما للمسيحيّين من حضور تاريخيٍّ تنويريٍّ في المنطقة تجلّى بأفضل صوره من خلال دورهم في تأسيس دواوين الدّولة الأمويّة في دمشق، ونشاطهم العلميّ والثّقافيّ في ظلال الدّولة العبّاسيّة في بغداد، وخاصّة حركة التّأليف والتّرجمة الّتي قادها علماء سريان. وكذلك دورهم الفعّال في إعادة إحياء اللّغة العربيّة وآدابها في نهايات القرن التّاسع عشر وبدايات القرن العشرين. ولا ننسى دورَهم في الحياة السّياسيّة في المنطقة من خلال إسهامهم في تأسيس الأحزاب والحركات السّياسيّة مثل حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ والحزب القوميّ السّوريّ الاجتماعيّ.

وكان ولا يزال للمدارس والجامعات المسيحيّة الدّور البارز في تنشئة أجيال من العلماء والمثقّفين، سواء في القرون الأولى ضمن الأديرة، أو في العصور المتأخّرة من خلال المؤسّسات التّعليميّة الّتي أنشأتها البعثات التّبشيريّة.

أيّها الحضور الكريم،

إنّ أهمّيّة هذا اللّقاء تكمن في كونه اللّقاء الأوّل الّذي يَجمَع أكاديميّين ومختصّين يقدّمون أبحاثهم حول الوجود المسيحيّ ومستقبله في المشرق في ضوء ما تعرّضت له منطقتنا من أحداث دامية وهجمات إرهابيّة يمكن وصفها بالتّطهير الدّينيّ، وقد وُصِفَتْ من قِبَل البعض بالإبادة الجماعيّة نظرًا للنّتائج الكارثيّة الّتي أفرزتها بحقّ عدد كبير من شعوب المنطقة، ولكن بشكل خاصّ بحقّ المسيحيّين والإزيديّين وغيرهم من الأقلّيّات الدّينيّة، ممّا أدّى إلى هجرة الملايين منهم من بلاد كانت موطن آبائهم وأجدادهم منذ قديم الزّمان. ومَن بقي منهم لم يَعُد يشعر بالأمان، ممّا يؤدّي إلى تقوقعهم على نفسه وانعزالهم عن محيطهم. وهنا يكمن خطرٌ كبيرٌ، فالانفتاح على الآخر هو المطلوب في هذه الظّروف وليس العكس.

أمام هذه الصّورة القاتمة للوجود المسيحيّ في المشرق، فإنّ بقاءَ المسيحيّة في هذه البلاد وتعزيزَها لتكون فاعلةً ومؤثّرةً مسؤوليّةٌ تتشارك بها أكثر من جهة، ولكن على وجه الخصوص:

1- حكومات دول المنطقة الّتي لها مصلحةٌ كبرى ببقاء المسيحيّين والاستفادة من إمكانيّاتهم وانفتاحهم، وذلك من خلال ضمان مساحة كافية تمكّنهم من العيش الحرّ الكريم على أساس من المواطنة، متساوين بالحقوق والواجبات مع باقي مكوّنات المجتمع.

2- الكنيسة بكلّ تفرّعاتها الّتي يجب أن تبثّ روح الرّجاء بين أبنائها، وخاصّة في ظلّ الظّروف المعيشيّة الصّعبة الّتي تمرّ بها البلاد، فتقدّم لهم المعونة من خلال استيعابِ أكبر عدد ممكن من الطّلّاب في مدارس الكنيسة الخاصّة ومؤسّساتها التّعليميّة. وخلق فرص عمل في مشاريع صغيرة تؤسّسها الكنيسة. ومن المعلوم أنّ إمكانيّاتِ كنائسنا محدودةٌ؛ وهنا يأتي دور الجمعيّات الخيريّة والمؤسّسات الكنسيّة والإنسانيّة الّتي تدعم مشاريع الكنيسة بدرجات متفاوتة. ونحن نقدّم شكرنا لكلّ هذه الجهات المموِّلة، ونخصّ بالشّكر والتّقدير شعبَ وحكومةَ هنغاريا المجر الّتي تعمل منذ سنين على تعزيز الوجود المسيحيّ هنا في المشرق وفي أماكن أخرى من العالم، من خلال عمل مؤسّسة Hungary Helps التّابعة لوزارة الخارجيّة الهنغاريّة. ويُسعِدنا أن نرحّب برئيس Hungary Helps سعادة الوزير تريستان أزبي، الّذي لبّى دعوتنا لحضور هذا المؤتمر. ولا بدّ من التّنويه بأنّ المجر تكاد تكون الدّولة الوحيدة الّتي تقدّم المساعدة مباشرةً عن طريق الكنائس المحلّيّة.

أيّها الحضور الكريم،

نشكر لكم وجودَكم معنا ومشاركتَكم في هذا المؤتمر الّذي ينظمّه كلّ من المركز الهنغاريّ لدراسات المسيحيّة المشرقيّة ومركز المشرق للدّراسات، متمنّين للمؤتمر كلّ النّجاح."