أسقف الإسكندريّة للأرمن الكاثوليك: الإيمان ميزة الإنسان
"مَن آمَنَ بِالابن لا يُدان، ومَن لم يُؤمِنْ به فقد دين منذُ الآن، لأنه لم يُؤمن باسم ابن الله الوحيد" (يوحنّا 3: 18).
لقد خلق اللهُ الإنسانَ على صورته ومثاله، أيّ خلقه حُرًّا ومنحه العقل والحكمة والفطنةِ والذّكاء والقوّة، لكي يتمكّن من الإجابة على نداءاته بشكل إراديّ وبدون إكراه. فالعنف، والقوّة لا وجود لهما عند الله الّذي يدعونا دائمًا إلى الخير.
الله محبّة ولذلك أعطى الإنسانَ حرّيّة وقدرة الاختيار والتّمييز، كما فعل مع الملائكة عندما خلقهم ليسبّحوه ويمجّدوه ويخدموه، ويخدموا الإنسان ويحرسوه. إنّ الرّبّ حافظ على حرّيّة الإنسان ليس فقط في مجال عمله، بل في مجال الإيمان أيضًا. فقد قال للأعميين اللّذين تبعاه قائلين: "رُحماكَ يا ابن داود!"، فلمّا دخل البيت دَنا منه الأعميان. فقال لهما يسوع: أتؤمنان بأنّي قادِرٌ على ذلك؟ فقالا له: "نعم يا ربّ". فلمسَ أعينهما وقال: "فَلْيَكُنْ لَكُما بِحَسَبِ إِيمانِكُما" (متّى 9: 27 - 29). بهذا يُبرهن يسوع أنّ الإيمان هو ميزة الإنسان، لأنّه يتعلّق بقرار شخصيّ. وقال يسوع للرّجل الّذي أتاه من المَجمَع: "كُلُّ شَيءٍ مُمكِنٌ لِلَّذي يُؤمِن" فصاح أبو الصّبيّ لوقتِهِ: "آمنتُ، فشَدِّدْ إيماني الضّعيف!" (مرقس 9: 23 - 24)، وفي مكان آخَر قال: "اِذْهَبْ، وَلْيَكُنْ لَكَ بِحَسَبِ ما آمَنتَ " (متّى 8: 13). تدلّ جميع هذه النّصوص على أنّ الإنسان يوجّه مصيره بنفسه، وفقًا لاختياره: أن يؤمن أو لا يؤمن. لذلك: "مَن آمَنَ بِالابن فلهُ الحَياةُ الأَبديَّة ومَن لم يُؤمِنْ بِالابْن لا يَرَ الحياة بل يحِلُّ عليه غضب الله" (يوحنّا 3: 36).
ربّما نقول، لو كان من الأفضل أنّ الله لم يخلق الملائكة مع إمكانيّة انتهاك شريعته. ألم يكن ينبغي أيضًا أن يخلق الإنسان، الّذي كان سيصبح سريعًا ناكر الجميل تجاهه وتجاه محبّته اللّامتناهية؟ نعم لقد كان الخطر في طبيعة الإنسان البشريّة بالعقلانيّة، القادرة على الاختيار والتّمييز والحكم. كان عليه أن يجعله شبيهًا بالمخلوقات غير العاقلة، والّتي لا مبدأ لها في الحياة. ولكن، في هذه الحالة، لم يكن الخير الّذي وضعه الله فينا ليجذب الإنسان، ولم تكن لشراكته مع الله أيّ قيمة في نظره. لم يكن الخير ليوقظ فيه أدنى رغبة، لأنّه يكون قد حصل عليه، وليس عليه أن يبحث عنه. ولَكان الخير فِطريًّا موجودًا في ضميره وقلبه. لو كان الإنسان خيّرًا بطبيعته وليس بإرادته، لما كان فَهِمَ أنّ الخير جميل ويجلب السّعادة الحقيقيّة للإنسان، ولما استطاع التّمتّع به. وكيف يتمتّع بالخير مَن يجهله؟ وأيّ مجد لِمَن لا يكون قد قام بأيّ جهد؟ وأيّ إكليل لِمَن لا يكون قد جاهد لِنَيله؟ بالعكس، كلّما كانت مكافأتنا نتيجة تعب وصراع، كلّما كانت ثمينة، وكلّما كانت ثمينة، كلّما أحببناها وعشناها وتقاسمناها مع بعضنا."