لبنان
30 تشرين الثاني 2020, 09:45

أبرشيّة طرابلس المارونيّة تحتفل بشدياقين جديدين

تيلي لوميار/ نورسات
رقّى راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران جورج بو جوده، بمشاركة مطرانها الجديد يوسف سويف، ومعاونة النّائب العامّ على الأبرشيّة الخوراسقف أنطوان مخايل، والخوري عزّت الطحش والخوري سيمون جبرايل، شربل يونس وطوني فرنجيه إلى درجة الشّدياقيّة، في قدّاس إلهيّ أقيم في كنيسة مار أنطونيوس في دير مار يعقوب- كرم سدّه، بحضور الأهل وبعض كهنة الأبرشيّة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران بو جوده عظة قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "تأتي سيامتكم الشّدياقيّة اليوم عشيّة احتفالنا بعيد زيارة العذراء لنسيبتها أليصابات وأسبوع الاحتفال بمولد القدّيس يوحنّا المعمدان خاتمة أنبياء العهد القديم الّذي قال فيه المسيح إنّه ليس في مواليد النّساء أعظم منه، لكن الأصغر في ملكوت الله أكبر منه (لوقا7/28). ذلك أنّ يوحنّا كان الصّوت المنادي في البرّيّة: أعدّوا طريق الرّبّ واجعلوا سبله قويمة.

دعوته هي دعوة كلّ من يختاره الرّبّ لخدمته، ولكي يتابع معه رسالته. فالمسيح الّذي جاء فاديًا ومخلّصًا للبشريّة، أراد أن يشرك الإنسان في تدبيره الخلاصيّ، لكي لا يكون الخلاص مفروضًا عليه فرضًا، بل أن يكون مساهمًا فيه. على ما يقول القدّيس أوغسطينوس بأنّ الله الّذي خلق الإنسان من دون رأيه لم يرد أن يخلّصه من دون رأيه.

وهكذا كان الخلاص مسيرة يشارك فيها الإنسان، لخلاص نفسه أوّلاً، وللمساهمة أيضًا في خلاص الآخرين. ولذلك إختار الرّسل والتّلاميذ، ودرّبهم ومرّنهم طوال ثلاث سنوات، لكي يتابعوا عمله الخلاصيّ، بعد موته وقيامته وصعوده إلى السّماء. إختارهم وقال لهم: لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأرسلتكم لتحملوا الثّمار وتكون ثماركم وافرة.

إنّ سرّ الكهنوت الّذي تتحضّرون لقبوله بعد هذه السّنوات من الدّرس والتّأمّل والصّلاة، هو مشاركة في كهنوت المسيح، والّذين يختارهم الله للقيام به ينالونه تدريجيًّا كي يستطيعوا القيام به على أكمل وجه. إنّه مسيرة يعيشها المدعوّ كي يتاح له المجال لفهم معناها العميق ويعرف أنّ القيام بها يتطلّب اتّخاذ الموقف الواعي والحرّ لأنّه إذا وضع يده على المحراث لا يعود بإمكانه العودة إلى الوراء.

إنّ الدّرجات الصّغرى الّتي تنالونها اليوم هي الأساس الّذي ستبنون عليه حياتكم الكهنوتيّة. فكما أنّ البيت لكي يبقى صامدًا في وجه الأنواء والعواصف يجب أن يكون مبنيًّا على الصّخر، فإنّ حياتكم الكهنوتيّة كذلك يجب أن تكون مبنية على صخرة المسيح، وتنظرون إلى من سبقكم في هذا الطّريق وبصورة خاصّة الرّسل وعلى رأسهم بطرس، فإنّ المسيح لم يسلّمهم سرّ الكهنوت إلّا بعد أن أعلن بطرس في قيصريّة فيليبوس أنّه يؤمن بأنّ يسوع هو المسيح إبن الله الحيّ، وعندها قال له يسوع: أنت الصّخرة وعلى هذه الصّخرة سأبني بيعتي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.

الوصول إلى درجة الكهنوت يتمّ على مراحل من الخدمة تتدرّج من الأمور المادّيّة في بادئ الأمر، وهي ضروريّة، للوصول إلى أمور الرّوحيّة الّتي هي الأساس. إنّها تمرّ بالاهتمام بالأبنية الكنسيّة ككلّ، إلى الاهتمام بالمذبح ثمّ بتحضير الخبز والخمر المعدة للتّحوّل إلى جسد المسيح ودمه، ثمّ الاهتمام بإعلان كلمة الله رسميًّا، وصولاً إلى الكهنوت الّذي يجعل من كلّ واحد منكم مسيحًا آخر.

تبدأ الرّتبة بقصّ شعر كلّ واحد منكم بشكل صليب عنوانًا عن تكرّسه لخدمة الرّبّ، على غرار ما كان يفعله الأقدمون في العهد القديم. هذه الرّتبة البسيطة لها معنى كبير لأنّها تنقل المرتسم من صحن الكنيسة حيث مكان العلمانيّين إلى الخورس، عنوانًا عن انتقاله من حالة المؤمن العلمانيّ إلى حالة المكرّس وانتمائه رسميًّا إلى إكليروس الأبرشيّة أو الرّهبانيّة أو الجمعيّة.

بعد قصّ الشعر يصلّي الأسقف طالبًا من الرّبّ أن يجعل المرتسم نشيطًا في تمجيد إسمه في الهيكل وفي كلّ مكان. هنا يأتي دور العرّاب الّذي يقدّم المرتسم الجديد إلى الأسقف الّذي يسأله عادة إذا كان يعرف المرتسم الجديد جيّدًا وإذا كان يعتبره أهلاً للخدمة الفعليّة ولتلاوة الكتب المقدّسة عن جدارة، محمّلاً إيّاه مسؤوليّة أيّ نقص أو إخلال يصدر عن المرتسم، ثمّ يضع عليه اليد ويطلب من الرّبّ أن يجعل منه مبشّرًا بكلامه المقدّس ووصاياه القويمة ومناديًا بتعاليمه، ثمّ يلبسه القميص والبطرشيل على كتفه اليسرى ويعطيه ليقرأ فصلاً من نبوءة أشعيا ثمّ يطوف به في الكنيسة.

المرحلة الثّالثة هي السّيامة الشّدياقيّة الّتي يتمّ فيها أوّلاً وضع اليد على رأس المرتسم ثمّ وضعها على الأسرار وعلى رأس المنتخب. ويرفع فيها الأُسقف الصّلاة طالبًا من الرّبّ أن يمنحه الرّوح القدس ليكون خادمًا صالحًا في بيت الرّبّ، وأن يحبّ هذا البيت وحسن بهائه، فيقف في باب هيكله ويضيء سرج بيته، بيت الصّلاة ويتمّ الخدمة الّتي دعي إليها، وهي خدمة قراءة الكتب المقدّسة رسميًّا في الاحتفالات اللّيتورجيّة، وبصورة خاصّة الرّسالة في القدّاس الإلهيّ، ثمّ يكلّفه الأُسقف بالقيام بمهمّات ثلاث وهي: إضاءة الشّموع في الكنيسة وفتح الأبواب لاستقبال المؤمنين وقرع الجرس ليدعوهم إلى الصّلاة، ثمّ يعطيه ليقرأ فصلاً من أعمال الرّسل.

هذا الوصف السّريع لرتبة السّيامة الشّدياقيّة يعطينا معناها وبعدها الحقيقيّ إذ أنّها تجعل من المرتسم إنسانًا مكرّسًا للخدمة ولنقل كلمة الله وللمحافظة على الكنيسة ومقتنياتها وخادمًا للأسرار وداعيًا النّاس للمشاركة في الصّلاة.

أنتم مدعوّون اليوم، أيّها العزيزين شربل وطوني، فبعد أن أعددتم أنفسكم لخدمة الرّبّ بالدّرس والعلم والثّقافة أصبح واجبكم أن تضعوا كلّ ذلك في خدمته وفي خدمة كنيسته وخدمة الإنسان في هذا المجتمع المعاصر الّذي صار الكثيرون فيه بعيدين كلّ البعد عن الله، وصاروا يستسلمون للتّجربة الّتي تعرض لها أبوانا الأوّلان، بأن يجعلا من نفسيهما آلهة لنفسيهما، بالاستغناء عن الله ورفضه. إنّها تجربة الإنسان اليوم الّذي تقدّم في العلم والثّقافة والأبحاث والدّراسات والاختراعات وابتعد مرّات كثيرة عن الله وأصبح يسنّ لنفسه قوانين وشرائع تتنافى وتتناقض مع تعاليم الله والكنيسة.

يجدر بكم، منذ اليوم، أن تضعوا نصب أعينكم المسؤوليّات الكبرى الّتي سوف تلقى عليكم. بأن تكونوا صوت الرّبّ في صحراء هذا العالم، فتعملون بلا خجل ولا وجلّ على نقل كلمته للآخرين، وتطوفون بها في العالم، كما طفتم بالكتاب المقدّس في الكنيسة. كما يجدر بكم، لا بل يجب عليكم أن تكونوا رجال صلاة وتأمّل، لا أن تكتفوا بالعمل والنّشاط الخارجيّ. فالصّلاة وحدها قادرة أن ترسّخ دعوتكم وتساعدكم على مجابهة المشاكل والصّعوبات الّتي قد تلاقونها لأنّ شيطان التّكبّر والتّعجرف ورفض الله والحقد والبغض والضّغينة واللّامبالاة وعدم الاهتمام والاكتراث بأمور الله، لن يطرد إلّا بالصّوم والصّلاة. صلاتنا معكم اليوم، ودعاؤنا إلى الرّبّ أن يوفّقكم في هذه الخطوة الّتي تقدمون عليها تلبية لدعوة الرّبّ".