في المونديال.. حركة وبركة
إنطلق مونديال 2018 يوم الخميس الماضي في روسيا، وسط استقطاب جماهيريّ كبير لم يقتصر على عامّة الشّعوب وحسب، بل ضمّ كذلك فئات المجتمع كافّة من كبار السّياسيّين والقادة حتّى شمل رجال الدّين، ولعلّ أبرزهم البابا الأرجنتينيّ فرنسيس الّذي كانت له- عشيّة الإطلاق الرّسميّ- تحيّة ودّيّة إلى اللّاعبين والمنظّمين وإلى جميع من سيتابعون هذا الحدث عبر وسائل الاتّصالات الاجتماعيّة، ونداء حثّ فيه أن يكون هذا الحدث الرّياضيّ الهامّ "فرصة لقاء وحوار وأخوّة بين ثقافات وديانات متعدّدة، معزِّزًا التّضامن والسّلام بين الأمم".
واليوم، ها هي الأعلام بمختلف ألوانها وأحجامها ترفرف في شوارع العالم، إذ يرفعها مشجّعو المنتخبات المتنافسة على اللّقب على شرفات منازلهم، ويزيّنون بها سيّاراتهم. وها هي الأماكن العامّة تعيش الحدث أيضًا بإبداعات خاصّة تساعد روّادها على الانخراط بهذه الأجواء الرّياضيّة البحتة.
الكلّ إذًا، كبارًا وصغارًا، يتابعون المباريات بشغف بعيدًا عن الهموم الحياتيّة القاسية، مستمدّين طاقة وحيويّة من رياضيّين مخضرمين هزّوا عالم الكرة بحرفيّتهم وقوّتهم ومرونتهم ونشاطهم... في الواقع، هم يشاركون اليوم معًا، ومن دون علمهم، في رفع الإنسانيّة إلى الحوار والسّلام والحبّ، تلك المبادئ الّتي تصبو إليها الكنيسة وتنادي بها من أعلى السّطوح، في كلّ المناسبات وحتّى الرّياضيّة منها. فالكنيسة ليست ببعيدة عن الرّياضة، وهي لطالما أبدت اهتمامًا كبيرًا في هذا المجال، وبخاصّة في عهد البابا فرنسيس المتحدّر من القارّة اللّاتينيّة النّابضة عشقًا لكرة القدم بشكل خاصّ، والمشجّع الأكبر للمنتخب الأرجنتينيّ، والّذي قال في افتتاح مونديال 2014، إنّ هذه اللّعبة "تتجاوز بطبيعتها الحدود العرقيّة، اللّغويّة والوطنيّة وتخلق جوًّا من التّضامن بين الشّعوب... هي في الوقت عينه لعبة، وفرصة للحوار، للتّفاهم وللمشاركة بالغنى المتبادل"، فـ"الرّياضة هي مدرسة سلام تعلّمنا على بناء السّلام".
واليوم، وفيما يزال كأس العالم في أيّامه الأولى، ندعو أن يكون هذا الحدث الرّياضيّ رياضة للرّوح وللجسد معًا، يملأ المسكونة حركة وبركة، ويسير بجمهور اللّعبة نحو ثقافة الالتقاء محقّقًا ما لم تحقّقه السّياسة خدمة للإنسانيّة.