على الطريق الطويل جدًّا لمنع الإبادة الجماعيّة
سنة 1948، اعتمدت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة بالإجماع اتّفاقيّة منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة عليها CPPCG، ما يجعلها المعاهدة الأولى لتقنين الإبادة الجماعيّة كجريمة وأداة تاريخيّة لحقوق الإنسان.
بعد 76 عامًا، وبينما احتفل العالم باليوم الدوليّ لإحياء ذكرى ضحايا جريمة الإبادة الجماعيّة وكرامتهم ومنع هذه الجريمة من التكرّر، لا تزال بعض الدول وقادتُها متّهَمين باقتراف هذه الجريمة التي توصف بأنّها تدمير متعمَّد ومنهجيّ لمجموعة من الناس بسبب إتنيّتهم أو جنسيّتهم أو دينهم أو عرقهم.
في حين ساعدت اتّفاقيّة الأمم المتّحدة في تحديد مثل هذه الأفعال وتجريمها، إلّا أنّها لم تتمكّن من منعها تمامًا. في الواقع، منذ عام 1948، واجه العديد من السكّان في أنحاء العالم الإبادة الجماعيّة.
وفي الآونة الأخيرة، برزت المخاوف من ارتكاب الإبادة الجماعيّة في فلسطين وفي منطقة دارفور السودانيّة في المقدّمة.
في أيّار/مايو 2024، أطلقت المستشارة الخاصّة للأمين العامّ لمنع الإبادة الجماعيّة، "ناقوس الخطر" بشأن الوضع في السودان، وقالت للمجلس إنّ ما يجري "يحمل علامات خطر الإبادة الجماعيّة كلّها، مع مزاعم قويّة بأنّ هذه الجريمة قد ارتكبت بالفعل". وقالت المرأة: "المدنيّون بعيدون عن الحماية. يتمّ استهداف السكّان المدنيّين على أساس الهويّة. في دارفور والفاشر، تعرّض المدنيّون للهجوم والقتل بسبب لون بشرتهم، وبسبب عرقهم، وبسبب مَن هم".
تزامنًا، ومع استمرار الحرب في غزّة، وصفت منظّمات حقوقيّة عديدة، الأعمال المُرتكبة ضدّ الشعب الفلسطينيّ بالإبادة الجماعيّة.
وفقًا للأمم المتّحدة وجماعات حقوقيّة أخرى، يمكن تعريف العنف الذي يحدث في هذين الجزأين من العالم على أنّه تطهير عرقيّ وعنف مستهدِف – وهذه مزاعم تعكس الإبادة الجماعيّة التي حصلت سابقًا في العالم.
في أعقاب الإبادة الجماعيّة في رواندا في عام 1994، أدرك المجتمع الدوليّ الإخفاقات في الاستجابة للأزمة، ما أدّى إلى إصلاحات كبيرة في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة وتطوير مبدأ "مسؤوليّة الحماية". يؤكدّ هذا المبدأ على أنّ المجتمع الدوليّ عليه أن يتحمّل مسؤوليّة منع الحالات التي يتعرّض فيها السكّان لخطر الفظائع الجماعيّة والتدخّل فيها.
ومع ذلك، من المهمّ التركيز أيضًا على نجاحات المجتمع الدوليّ في التدخّل والعمل على إنهاء الصراعات. في حالة حرب البوسنة (1992-1995)، ساعد التدخّل الدوليّ، لا سيّما من قبل قوّات الناتو، في وضع حدّ للعنف بعد مذبحة سريبرينيتسا. وفي حين أنّ المجتمع الدوليّ كان بطيئًا في البداية، فقد لعب التدخّل اللاحق دورًا حاسمًا في إجبار الأطراف على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء إراقة الدماء.
من المستحيل عدم الاعتراف بمدى العنف والبؤس الذي يعاني منه عالمنا اليوم، فضلًا عن عدم الاهتمام الذي تتلّقاه بعض المناطق، بما في ذلك السودان، من العالم الغربيّ. ومع ذلك، فقد تمّ استخلاص بعض الدروس مع اتّخاذ القرارات والجهود الإنسانيّة المستمرّة. تخبرنا الحقائق أنْ لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه، لكنّها لا تقضي على الأمل في أن يجتمع المجتمع الدوليّ للاعتراف بالفظائع التي ترتكب في أنحاء العالم أجمع - سواء أمكَنَ تصنيفها رسميًّا وقانونيًّا على أنّها "إبادة جماعيّة" أم لا.