لبنان
30 آذار 2022, 11:50

ما هي العادة الّتي دعا المطران سويف إلى تجديدها؟

تيلي لوميار/ نورسات
في زيارته الأولى إلى رعيّة صخرة، تمنّى راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف، في قدّاس أحد المخلّع الّذي ترأّسه في كنيسة مار مارون وقد عاونه فيه، أن تُجدّد "عادة موجودة في ضيعنا ورعايانا وهي أنّ الأطفال يأتون لكي يتباركوا من الإنجيل المقدّس، من يسوع ذاته لأنّ الإنجيل المقدّس يجسّد حضور المسيح، فنعمة الرّبّ تدخل إلى حياة الإنسان عندما يلامس يسوع رأسه وجسمه وفكره وكيانه وحياته"، مبديًا فرحه بحضور الأطفال في الكنيسة كـ"علامة حياة بقلب الرّعيّة"، "فالعائلة كلّها كبارًا وصغارًا يأتون إلى القدّاس للصّلاة معًا."

وعن إنجيل المخلّع قال سويف: "في إنجيل المخلّع، نرى يسوع موجود بالبيت والنّاس كلّها موجودة معه، فلا مجال للإنسان المخلّع الّذي يطلب نعمة الحياة والّذي ينتظر هذا اللّقاء والّذي يحترق قلبه لأنّه يريد أن ينتهي من الأزمة والمحنة الّتي يعيش فيها، أن يصل إلى يسوع بسبب الجمع. فالمخلّع كان واعيًا أنّه لا يمكن أن تتجدّد حياته إلّا بنعمة يسوع المسيح وبلقائه معه.

فأمام استحالته بالوصول إلى المسيح بسبب الجمع وبسبب حالته كمخلّع، أتت جماعة وحملته إلى يسوع. فوحده لا يستطيع فعل شيء، ونحن وحدنا لا نستطيع فعل شيء، نحن بحاجة دائمًا لأربعة أشخاص أيّ إلى جماعة. لذلك صعدت الجماعة بالمخلّع إلى السّطح ودلّوه من السّطح لكي يتلاقى مباشرة بيسوع المسيح، ويسوع بدأ معه المسيرة.

وأوّل شيء قاله له: مغفورة لك خطاياك. هذه هي العجيبة، هذه هي الآية، أنّنا نحن كبشر عندما نعيش بحياتنا اليوميّة اختبار البُعد عن الله، الّذي هو موت، نقول: ما أحلى الموت، لأنّ البُعد عن الله هو موت حقيقيّ، حتّى ولو تحرّك الإنسان بجسده ولكن البُعد عن الله يخلق شللاً حقيقيًّا بقلب الإنسان وفكره ويخلق شللاً بالمحبّة وبالعلاقة، يخلق شللاً بفقدان الرّوح الإنسانيّة من قلب الإنسان لذلك الإنسان المريض، المخلّع الّذي هو ليس فقط مخلّع كفرناحوم ولكن هو كلّ واحد وواحدة منّا.  

نحن أحبّائي نعيش مسيرة الصّوم ونتوجّه نحو القيامة، ونحن أيضًا بمسيرة السّينودس، الّتي نعيشها في العالم كلّه بدعوة من قداسة البابا فرنسيس. فعلينا أن نفتح قلوبنا وضمائرنا وكياننا ومشاعرنا وكلّ الاختبارات الّتي نعيشها بحياتنا الشّخصيّة أو الجماعيّة ونقول له: يا ربّ نحن مخلّعون نحن مشلولون نحن بحاجة إلى الشّفاء، وأنتم تعرفون تمامًا أنّ لقاءنا مع يسوع هو الّذي يُحقّق الشّفاء بحياتنا ويعود يُعطينا القوّة لكي نعيش بنعمة الغفران: مغفورة لك خطاياك، وهذا ما نُصلّيه نحن في صلاة "الأبانا": إغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، كما نحن نغفر لمن خطئ إلينا. الله يغفر لنا ليس فقط سبع مرّات، بل سبعين مرّة سبع مرّات، أيّ غفران ليس له حدود، أيّ محبّة لامتناهية، أيّ رحمة لا توصف، إن كانت خطاياكم كالقرمز، يقول الكتاب المقدّس فإنّي أُبيّضها كالثّلج. فالله من خلال توبتنا يبيّض خطايانا كالثّلج، أيّ هناك تحوّل. العجيبة هي التّحوّل من اللّون القرمزيّ، الدّاكن فتصبح كالثّلج، ويتابع المزمور ويقول: وإن عدتم إليّ فأنا أجبر كَسركم.

لذلك أحبّائي نحن في مسيرة الصّوم وفي مسيرة السّينودس نشكر الرّبّ على نعمة الغفران، كأجمل شيء بحياة الإنسان. وأظنّ أنّ هذا اختبار عشناه ولا نزال نعيشه وأنا أطلب أكثر وأكثر أن نعود ونعيشه خاصّة بالأيّام الفصحيّة عندما يرتكب الإنسان خطايا عديدة، لا أحد يعرفها إلّا الله والإنسان، الّذي بقرارة نفسه عندما يأخذ القرار بنعمة الرّبّ أن يعود، فالعودة هي عودة الإبن الشّاطر الّذي توقّفنا عندها، أن يعود إلى البيت، يعود إلى قلب الله، ويأتي الكاهن بسرّ الاعتراف، بسرّ التّوبة ويُعطيه نعمة الحَلّة من الخطايا.  

فعندما نكون في قلب الموت، والخطيئة، ونعيش إختبار سرّ التّوبة بطريقة صادقة، وليس كواجب فقط كما الإبن الضّالّ، عندها نرتاح من ثقل الخطيئة. هذا الإنسان المخلّع اليوم الّذي يعيش أيضًا بالموت الشّلل لا يستطيع فعل أيّ شيء وُجِدَ بقرب جماعة مؤمنة آمنوا وشعروا بخطيئته لا بل هم أيضًا كانوا يطلبون نعمة الشّفاء لأنّ نعمة الغفران لم تطل المخلّع فقط، بل أيضًا طالت الأربعة الّذين حملوه لأنّ هؤلاء الأربعة كانوا يعيشون أوّلاً شيئًا من الخطيئة واليوم لا نزال نعيشها بأيّامنا. فما هي الخطيئة؟ هي اللآمبالاة، نحن عندما نرى إنسانًا واقعًا بمجتمعنا أو بضيعنا أو برعيّتنا أحيانًا كثيرة ماذا نفعل؟ بالكبرياء الّذي في داخلنا نرفع إصبعنا وندلّ عليه ولكن يسوع لا يفعل هكذا، بل يسوع يُحضر ثوبه ويُستّر على هذا الإنسان بثوب الغفران، بثوب الرّحمة، بدافع المحبّة الّتي ترحم الإنسان، لذلك هذه الأعجوبة الّتي حصلت ليس فقط مع المخلّع، بل هي أعجوبة حصلت مع الأربعة الّذين حملوه لأنّهم كانوا يعيشون باللّامبالاة، الّتي هي أكبر خطيئة موجودة اليوم بأيّامنا. لذلك التّوبة ونعمة الشّفاء حصلت بحياة المخلّع وأيضًا بحياة الجماعة الّذين حملوه.  

لذلك أحبّائي نحن نعود ونُجدّد إيماننا، ونجدّد توبتنا، ومحبّتنا للرّبّ ونعود نشعر بحضور بعضنا البعض، ونشعر بآلام بعضنا البعض، بأفراح بعضنا البعض، ونذهب ونبحث عن الإنسان البعيد. فبصلاتنا نحن نقول: نصلّي من أجل المرضى والمتضايقين ونصلّي من أجل البعيدين والقريبين، النّصّ لا يقول القريبين والبعيدين، أوّلاً يبدأ مع البعيدين ومن ثمّ القريبين، لأنّ الله بمغفرته يطال كلّ النّاس، بمحبّته يجمع كلّ النّاس، وأجمل شيء بحياتنا أنّنا حقيقة نشعر أنّ الرّبّ يحبّنا، وغفرانه يطالنا، ويلمس كلّ إنسان منّا ويدعونا للعودة إلى الفرح الحقيقيّ وإلى القلب، وهو قلب الله الّذي هو نبع الغفران.

أحبّائي نطلب من الرّبّ نعمة الغفران ولكن نطلب منه أيضًا أن يغفر كلّ واحد للآخر.  

أنا أتمنّى في مسيرة الصّوم هذه وأُصلّي للأبرشيّة كلّها وللرّعيّة وللبنان وللعالم لكي نغفر حقيقة لبعضنا البعض، بالتّأكيد أحيانًا يشعر الإنسان أنّ الآخر أساء له، لا يهمّ فيسوع صلبوه ومن على الصّليب قال: إغفر لهم يا أبتاه لأنّهم لا يدرون ماذا يفعلون. بالغفران يكمن الشّفاء، بالغفران هناك وحدة، وتجدّد لحياة الإنسان، بالغفران هناك حقيقة بشريّة كنيسة تمشي بطريق الرّبّ وبروح التّضامن، نشكر الله على روح التّضامن الموجودة في الرّعيّة. كما ذكر أبونا طوني كلّ الأشخاص الّذين في الاغتراب والّذين يفكّرون بأوجاع النّاس ومأساتهم، ونشكر الرّبّ على كلّ نعمه وعلى كلّ عطاياه ونقول له: يا ربّ إشفنا من أمراضنا الجسديّة ولكن خاصّةً الأمراض الرّوحيّة، نقول له لبنان اليوم بحاجة للشّفاء من الأزمة الموجود فيها، لبنان اليوم بحاجة للتّجدّد والشّفاء في مجتمعنا. فحقيقة نعيش بروح التّضامن، ونعيش ككنيسة، كجماعة متّحدة ونفكّر بالإنسان المجروح، بالإنسان الجائع، بالإنسان المريض، ونسعى كلّنا لكي نعيش ونحترم كرامة كل إنسان على وجه الأرض."

هذا وقدّم سويف القدّاس على نيّة كل أبناء الرّعيّة، لكي يحفظهم الرّبّ ويباركهم "ولكي تبقى عائلاتنا فيها حياة ويربى أطفالنا بنعمة المسيح بروح المغفرة بروح المحبّة ونكون حقيقة كلّنا شهودًا لهذا الحبّ اللّمتناهي وننعم بعطيّة الغفران فنقوم، كما فعل المخلّع حين قال له يسوع: قم احمل سريرك وامشِ، فنقوم أيّ نعيش القيامة ونكون شهودًا للقيامة وبهذه الشّهادة نبني بعائلاتنا وبرعيّتنا السّلام الّذي أعطانا إيّاه يسوع بموته وبقيامته له المجد إلى أبد الآبدين آمين".