لبنان
28 أيار 2019, 12:30

البطريرك الرّاعي: أيّها الشّباب المحبوبون من المسيح لا تسمحوا أن يشتريكم أحد

أضاء البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي خلال التّنشئة المسيحيّة الأسبوعيّة، على الإرشاد الرّسوليّ: "المسيح يحيا" للبابا فرنسيس، وقد قال فيه:

 

"ننقل اليوم مضمون الفصل الرّابع وعنوانه "خبرٌ كبيرٌ لجميع الشّباب". وهو خبرٌ يتضمّن أربع حقائق كبيرة، كلّنا بحاجةٍ إلى سماعها أكثر من مرّة.
1. الله يحبّك (الفقرات 112-117)

أقول لكلّ شابّ / وصبيّة: "الله يحبّكَ" أشعرتَ بذلك أم لا. فالله يحبّكَ في أيّ ظرفٍ أو حالةٍ أنتَ فيه. لستُ أعلم أيّ اختبار للأبوّة عشتَ في بيتك. ولكنّني أستطيع أن أقول لك بكلّ تأكيد: ضع ذاتك بكلّ طمأنينة بين يدَي أبيك السّماويّ، الّذي أعطاكَ الحياة، ويعطيكَ إيّاها في كلّ لحظة. يساندك في كلّ حال، وستختبر كم يحترم حرّيّتك.
تجدُ في كلماته على لسان الأنبياء في العهد القديم تعابير عن حبّه مأخوذة من الحبّ في العائلة ولدى الأب والأمّ. ويؤكّد أنّ هذا الحبّ البشريّ إذا نضب، فحبّه مستمرّ أبدًا.
على لسان أشعيا، يؤكّد حبّه من الأحشاء، كحبّ الأمّ المخلّص لأبنائها، حبًّا لن ينسى ولن يترك (راجع أش 15:49). ويَظهر كأنّه عاشق ينقش شخص حبيبه على كفّ يده، ليرى وجهه عن قرب (راجع 16:49). ويشير إلى قوّة حبّه وثباته بحيث أنّه لا ينغلب (راجع 10:54). ويقول إنّه يعرف كيف يرى جمالنا الّذي لا يعرفه أحد.
وعلى لسان هوشع، يبيّن أنّه مثل الوالدين الّذين يلعبون مع أولادهم (راجع 4:11).
وعلى لسان إرميا، يقول إنّنا قبل وجودنا كنّا مشروع حبّه (راجع 3:31).
وعلى لسان صوفنيا، يؤكّد أنّ حبّه فرحٌ صافٍ يتجدّد عندما ندعه يحبّنا (راجع 17:3).

أجل، أنتَ ذو قيمةٍ ثمينةٍ عند الله. أنتَ مهمٌّ بالنّسبة إليه، لأنّك عمل يديه. لذا، يعيرك انتباهه، ويتذكّرك بحبّ. ضع ثقتك فيه. يسامحك عن كلّ شرورك إذا عدتَ إليه.
حبّه لا يفرض نفسه، لا يسحق، لا يُقصي، ولا يُسكت، ولا يذلّ، ولا يستبدّ. إنّه حبّ حرّيّة ومن أجل الحرّيّة. حبٌّ يشفي ويرفع. عندما يضعك أمام تحدّيات الحياة، فلكي يعطيك المجال لتستنجد به، ولكي تنضج. لا يزعجه أنّك تشكّ فيه وفي نعمته وقدرته. إنّ ما يقلقه هو أنّك لا تتكلّم معه، لا تحاور، فيما هو نفسه يدعو على لسان أشعيا "تعالوا نناقش" (أش 18:1).
2.  المسيح يخلّصك (الفقرات 118-123)
الحقيقة الثّانية هي أنّ المسيح، حبًّا بك، بذل ذاته حتّى النّهاية لكي يخلّصك. يداه المبسوطتان على الصّليب هما العلامة الأثمن لصديقٍ قادرٍ على الوصول إلى النّهاية (راجع يو 1:13). أكّد بولس الرّسول أنّه سلّم ذاته لهذا الحبّ (راجع غلا 20:2). المسيح الّذي خلّصنا من خطايانا على الصّليب، ما زال بهبة ذاته الكاملة يواصل خلاصنا وفداءنا اليوم.
أنظرْ إلى الصّليب، تمسّك به، دعه يخلّصك. فالّذين يخلّصهم إنّما يحرّرهم من الخطيئة والحزن والفراغ الدّاخليّ والعزلة. إذا أخطأت هو يقيمك من جديد، فإنّه "يغفر سبعين مرّة سبع مرّات" (راجع متّى 22:18).
يسوع خلّصنا لأنّه يحبّنا. فمهما صنعنا، فإنّه يحبّنا ويخلّصنا. فحبّه أكبر من كلّ تناقضاتنا، وسرعة عطبنا، وحقارتنا. يريد أن يكتب معك تاريخ الحبّ. عانقَ الإبن الضّالّ، وعانقَ بطرس بعد نكرانه المثلّث. ويعانقنا أبدًا ودائمًا بعد سقطاتنا. إنّ السّقوط الحقيقيّ الّذي يستطيع تدمير حياتنا هو البقاء في حالة السّقوط، من دون التماس مساعدة.
إنّه يغفر ويحرّر مجّانًا. نحن لا نبتاع هبة ذاته على الصّليب بأعمالنا، بل علينا فقط أن نقبلها بعرفان جميلٍ كبير، وبفرح الإقرار بأنّه "هو أحبّنا أوّلاً" (1يو 19:4).
أيّها الشّباب المحبوبون من المسيح، أنتم أصحاب قيمة ثمينة، ولا تقدَّرون بثمن. أنتم لستم سلعةً تُباع بالمزاد. فلا تسمحوا أن يشتريكم أحد، أنت من الّذين اشتُريتم بدم المسيح. أنت حرّ، إعشق الحرّيّة، الحرّيّة الّتي لا يعطيك إيّاها إلّا المسيح. أنظرْ إلى ذراعَي المسيح المنبسطتين. دعه يخلّصك دائمًا ومن جديد. ثق وأنت تعترف بخطاياك أنّك مخلَّص برحمته الّتي تحرّرك من خطيئتك. تأمّل دمه المراق بحبّ كبير ليطهّرك. وهكذا تولد دائمًا من جديد.
3.  المسيح يحيا (الفقرات 124-129)
الحقيقة الثّالثة الّتي لا تنفصل عن السّابقة هي أنّ المسيح يحيا! ليس من الماضي وكأنّه ذكرى، وكأنّ الخلاص من ذاك العهد. بل المسيح يحيا الآن وهنا ويحقّق الخلاص والتّحرير والغفران لكلّ إنسان. هذا هو معنى قول بولس الرّسول: "لو لم يقم المسيح، لكان إيماننا باطلاً" (1كور17:15).
لأنّه يحيا، هو حقًّا حاضرٌ في حياتك في كلّ لحظة لكي يملأها من نوره. حتّى ولو تركك الجميع، فهو يبقى معك كما وعد: "وأنا معكم طول الأيّام حتّى نهاية العالم" (متّى20: 28). حيثما تذهب، هو ينتظرك. إنّه لم يأتِ مرّةً فقط بل يأتي كلّ يوم، ويدعوك لتسير معه نحو آفاقٍ جديدة.
قُتل القدّوس والبريء، ولكنّه انتصر! ليست الكلمة الأخيرة للشّرّ. حتّى في حياتك لن تكون للشّرّ الكلمة الأخيرة، لأنّ صديقك الّذي يحبّك، يريد أن ينتصر فيك. فمخلّصك يحيا. وهذا ضمانةٌ على أنّ الخير يستطيع أن يشقّ طريقه في حياتك. فانظر دائمًا إلى الأمام. أيّة حلول خارج المسيح تبقى مؤقّتة وتزول. لذا، اختار بولس الرّسول أن يتّحد دائمًا بالمسيح لكي "يعرفه ويختبر قدرة قيامته" (فيل 10: 3). هذه المعرفة وهذا الاختبار هما المدخل إلى لحياة الحقّة.

4. الرّوح يعطي الحياة (الفقرات 130- 133)
الحقيقة الرّابعة هي أنّ الرّوح القدس يعطي الحياة. في الحقيقة الأولى ظهر وجه الآب، وفي الثّانية والثّالثة وجه الابن، والآن في الرّابعة وجه الرّوح القدس. هذا الرّوح الّذي يملأ قلب المسيح القائم، منه يجري في حياتك كينبوع ماء. عندما تقبل الرّوح القدس، فإنّه يُدخلك دائمًا في قلب يسوع، لكي تمتلئ دائمًا من حبّه ونوره وقوّته.
إبتهلْ كلّ يوم إلى الرّوح القدس لكي يجدّد دائمًا فيك اختبار بشرى الخلاص. هو يستطيع تغيير حياتك وإنارتها وإعطاءها منحًى جديدًا. إنّه يعطيك كلّ ما ترغب من قيم. أمكثْ في المحبّة، فيتغيّر كلّ شيء.
الرّوح القدس هو ينبوع سنّ الشّباب الأحسن. فمن يضع ثقته في الرّبّ يكون "كالشّجرة المغروسة على مجرى المياه، وعند النّهر تمدّ جذورها. لا ترى الحَرّ إذا أقبل، بل يبقى ورقها أخضر" (إرميا 8 :17). وفيما "الفتيان يكلّون ويتعبون، والشّبّان يسقطون في العياء" (أش 30:40)، فإنّ الّذين يضعون ثقتهم في الرّبّ "إنّما تتجدّد قواهم على الدّوام، ويرتفعون بأجنحةٍ كالنّسور، ولا يتعبون إذا ركضوا، ويسيرون ولا يكلّون" (أش 31:40)."