لبنان
15 نيسان 2024, 07:25

كثيرًا ما نكون نحن المؤمنين سببًا في تشكيك غير المؤمنين - المطران عوده

تيلي لوميار/ نورسات
شرحت عظة المتروبوليت الياس عوده، راعي أبرشيّة بيروت للروم الأرثوذكس مقطعًا من الإنجيل بحسب القدّيس مرقس الذي يروي حادثة إخراج يسوع شيطانًا من أحد أبناء اليهود، بعد فشل التلاميذ في إتمام ذلك.

  

قال المطران عوده: "الإِصحاحُ التّاسِعُ مِنْ إِنجيلِ مَرْقُسَ يَبْدأُ بِحادِثَةٍ قَدْ تُعْتَبَرُ الأَهَمَّ في كَشْفِ حَقِيقَةِ المَسيحِ ذاتَهُ أَمامَ تَلاميذِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وقِيامَتِهِ، حادِثَةَ التَّجَلِّي...تَجَلَّى الرَّبُّ أَمامَ تَلامِيذِهِ، أَيْ كَشَفَ لَهُمْ حَقِيقَةَ هُوِيَّتِهِ بِوُجودِ موسى وإِيلِيّا، فَعايَنوا مَجْدَهُ وسَمِعوا اعْتِرافَ الآبِ بِابْنِهِ.

وفيما يسوع على الجبل، أتى أبٌ بابنه الذي فيه روحٌ أبكم فقدّمه إلى التلاميذ لأنّه كان يعلم أنّهم كانوا يصنعون المعجزات باسم معلّمهم...حاول التلاميذ شفاء الصبيّ لكنّهم لم يقدروا...لم يستسلم الآب، بل قصد يسوع شخصيًّا...  

فَشِلَ التَّلامِيذُ مَعَ أَنَّهُم كانوا قَدْ صَنَعوا عِدَّةَ مُعْجِزاتٍ في غِيابِ الرَّبّ، كما نَقْرَأُ في مر 6: 7 – 12.  

جاءَ جَوابُ الرَّبِّ على فَشَلِ تَلامِيذِهِ بِشَكْلِ عِتابٍ (مر 9: 19)...هَذا لَيْسَ عِتابَ الرَّبِّ الأَوَّلَ لِتَلامِيذِهِ، الأَمرُ الَّذي يَجْعَلُ عَلاقَةَ الرَّبِّ بِهم مُماثِلَةً لِعَلاقَتِنا بِهِ. فَنَحْنُ، وإِنْ كُنّا نُؤْمِنُ بِأَنَّهُ المَسيحُ ابْنُ الله، إِلَّا أَنَّ طَبِيعَتَنا البَشَرِيَّةَ تَدْفَعُنا أحياناً إلى الشَّكِّ بِهِ، وأَحْيانًا نُسْلِمُهُ إلى الصَّلْبِ مُجَدَّدًا، مِثْلَ يَهُوذا الَّذي كانَ تِلْمِيذًا...طَبْعًا، لَم تَكُنْ هَذِهِ المَرَّةَ الأَخِيرَةَ الَّتي يَشُكُّ فِيها التَّلامِيذُ بِحَقِيقَةِ يسوع....إِلَّا أَنَّهُ كانَ دائِمًا يَحْتَمِلُهُم ويُعِيدُ تَعْلِيمَهُم وتَثْبِيتَهُم. نَحْنُ أيضًا في عَلاقَةِ سُقوطٍ وقِيامٍ، نَشُكُّ ونُخْطِئُ ثُمَّ نَتوبُ ونَرجِع. المُهِمُّ أَنْ نَقومَ بَعْدَ كُلِّ سَقْطَةٍ.

طَلَبَ الرَّبُّ مِنَ الوالِدِ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ ابْنَهُ المَمْسوس، عِنْدَئذٍ «صَرَعَهُ الرّوحُ فَوَقَعَ على الأَرْضِ يَتَمَرَّغُ ويُزْبِد». الرّوحُ رَأَى الرَّبَّ شَخْصِيًّا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَحَكَّمَ بِالشَّابِّ كَما كانَ يَفْعَلُ أَمامَ التَّلاميذ. هُنا قالَ الأَبُ للرَّبِّ: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئًا فَتَحَنَّنْ عَلَيْنا وأَغِثْنا». لَقَد انْتَظَرَ الوالِدُ عوده الرَّبِّ مِنَ الجَبَلِ لِيَشْفِي ابْنَهُ لأَنَّهُ كانَ مُؤْمِنًا بِقُدْرَتِهِ على ذَلِكَ، لَكِنَّهُ يَعودُ لِيُشَكِّكَ بِسَبَبِ ضُعْفِ التَّلاميذِ. كَثِيرًا ما نَكونُ، نحن المُؤْمِنينَ الحامِلينَ اسْمَ الرَّبِّ، سَبَبًا في تَشْكيكِ غَيْرِ المُؤْمِنينَ بِحَقِيقَةِ رَبِّنا وإِلَهِنا، كَالتَّلاميذِ تَمامًا، بسبَبِ سُوءِ سُلوكِنا ....مُتَناسِينَ قَوْلَ الرَّبّ: «وَيْلٌ لِلَّذي تَأْتي العَثَرَاتُ بِواسِطَتِه» (لو 17: 1).

لَمْ يُوَبِّخْ الرَّبُّ الرَّجُلَ على شَكِّهِ كما فَعَلَ مَعَ تَلاميذِه، بَلْ قالَ لَهُ: «إِنْ استَطعْتَ أَنْ تُؤْمِنَ فَكُلُّ شَيءٍ مُسْتَطاعٌ لِلمُؤمِن». أَجابَ الوالِدُ: «إني أؤمِنُ يا سيدُ فأغِثْ عَدَمَ إِيماني». هَذا الاعتِرافُ كانَ سَبَبَ استِجابَةِ الربِّ طَلَبَه وشِفاءِ ابْنِه.

تَضَعُ الكَنِيسَةُ أَمامَنا هذا المَثَلَ لتُعَلِّمَنا أنَّ إِيمانَنا، مَهْما ضَعُفَ، ومَهْما شَكَّكْنا بالرَّبِّ وبِقُدْرَتِه فَإِنَّ المَطْلوبَ مِنّا أَنْ نَأتِي إِلَيْهِ مُقِرِّينَ بِضُعْفِنا وصارِخينَ «أُؤْمِنُ يا رَبُّ فَأَعِنْ عَدَمَ إِيماني» وهُوَ رَحِيمٌ وقادِرٌ على خَلاصِنا.

 

وهنا انتقل المطران الياس عوده إلى الشقّ الوطنيّ من كلمته وقد تبحّر على نحوٍ خاصّ في مسألة النازحين، ممّا قاله:

"يا أحبّة، إنْ كان إيمانُنا بالربِّ هو طريقُ الخَلاصِ لنفوسِنا فإنّ خَلاصَ بَلَدِنا لن يكونَ إلاّ على أيدي مسؤولين مؤتَمَنين يَضَعون مَصْلَحَةَ البَلَدِ فوقَ كلِّ مَصلحة، مُتَناسين كِبْرياءَهم ومَصالِحَهم وارتِباطاتِهم، وقبلَ هذه كُلِّها مُكتَسَباتِهم. بلدُنا يُحْتَضَرُ وإنسانُه يُعاني...وقد بَرَزَ خَطَرٌ آخرُ بِسَبَبِ تَفَلُّتِ الأمنِ نتيجةَ عَدَمِ المُحاسَبَةِ والإفلاتِ مِنَ العِقاب، وإهمالِ ضَبطِ الحُدودِ وتَدَفُّقِ أعدادٍ كبيرةٍ من غير اللبنانيين، وُجودُ قسمٍ كبيرٍ منهم غيرُ قانونيّ، وبَعْضُهم خارِجون على القانون كما تُؤكِّدُ الإحصاءات..... طبعاً نحن نحترمُ إنسانيتَهم ونُقِرُّ بِحَقِّهم في حياةٍ آمِنَةٍ كريمةٍ إنما في بلادِهم وليس على حسابِ حياةِ اللبنانيين وكرامَتِهم... لذلك على الحُكّامِ أنْ يُطَبِّقوا القوانين ويَعْمَلوا جاهِدين على إعادَتِهم إلى بِلادِهم (في المناطق الآمنة) وأنْ يَحُثّوا المؤسَساتِ الدَوْلِيَةَ كي تُساعِدَهم على ذلك وتُقَدِّمَ للعائدين المُساعَداتِ اللازِمَة...

مِنْ واجبِ المسؤولين، حِفاظاً على بَلدِنا وشعبِه، توحيدُ مَوقِفِهم مِنْ هذه القَضية، ووضعُ خِطةٍ واضِحةٍ لِمُعالَجَتِها بِشَكْلٍ لائق، والتَحَلّي بالجُرأةِ في مُواجَهَة المجتمعِ الدوليّ... وعلى المواطِنين أنْ يكونوا أكثرَ وَعْياً فلا يَنزَلِقون إلى أعمالٍ غيرِ قانونيةٍ أو غيرِ إنسانيةٍ تُؤدي إلى إشكالاتٍ وصِدامات... الإنسانُ، كلُّ إنسانٍ خُلِقَ ليعيشَ في الكرامةِ التي خَلَقَه اللهُ عليها، لذا على جميعِ المسؤولين، في لبنانَ والعالم، أن يَتَكاتَفوا مِنْ أجلِ حِمايةِ أيِّ إنسانٍ مِنْ أينما أتى، مِنْ لبنان وسوريا وفلسطين والعراق وأيِّ مَكانٍ في العالَم. النازحون ضحايا ومِنْ واجِبِ الجميعِ إيجادُ حلٍّ لِقَضيتهم، على ألاَّ يَكون على حِسابِ شعبٍ آخر. ..