الأراضي المقدّسة
01 نيسان 2022, 12:30

كيف تعمل مغفرة الرّبّ؟

تيلي لوميار/ نورسات
"إنّ مغفرة الرّبّ هي مجّانًا تمامًا، وبشكل غير متوقّع، وتسبق أيّ توبة"، هذا ما أكّده بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا عشيّة الأحد الخامس من الزّمن الأربعينيّ، متأمّلاً بإنجيل يوحنّا 8: 1- 11.

وفي تأمّله كتب بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "في المقطع الإنجيليّ لقدّاس هذا الأحد (يوحنّا ٨: ١–١١)، نرى يسوع في هيكل أورشليم، يُعلّم الجمهور المندفع نحوه.

إنّه يجلس كمعلّم، ويذكّرنا هذا بمشهد موسى الّذي كان يجلس في المخيّم من الصّباح حتّى المساء لحلّ المسائل الّتي كانت تنشأ بين النّاس (خروج ١٨:١٣ وتابع): كان النّاس يأتون إليه "ليلتمسوا أمر الله"، لمعرفة مراسيمه وشرائعه (خروج ١٨:١٦).

في المقطع الإنجيليّ لهذا الأحد أيضًا، تذهب مجموعة من النّاس إلى يسوع ولديهم سؤال مرتبط بالشّريعة: لقد ضبطوا امرأة في واقعة زنا، وهم يعرفون أنّ القانون يقضي برجمها.

لا يذهبون إلى يسوع من أجل أن يعرفوا ماذا تقول الشّريعة في هذا الصّدد، فهم يعرفون ذلك جيّدًا. يخبرنا الإنجيليّ أنّهم يذهبون إليه ليس من أجل حلّ مشكلة ما (كما فعل الإسرائيليّون في الصّحراء مع موسى)، ولكن من أجل أن يُخضعوه للاختبار، فيكون لديهم ما يتّهمونه به (يوحنّا ٨ :٦). من خلال اتّهام المرأة، يريدون في الواقع اتّهام يسوع.

وأوّل شيء نلاحظه هو المسافة الّتي يضعها المتّهمون بينهم وبين هذه المرأة، كما لو كانت شخصًا لا علاقة لها بحياتهم بأيّ شكل من الأشكال: لقد وضعوها في الوسط (يوحنّا ٨ :٣)، ممّا عرّضها لحكم ودينونة الجميع؛ ومن ثمّ يُعلنون ذنبها، وهي ما زالت واقفة أمام الجميع، (يوحنّا ٨ :٤) ويتكلّمون باحتقار عندما يطلبون "رجم أمثالها" (يوحنّا ٨ :٥)

وموقفهم، كما يحدث دائمًا مع الّذين يشعرون بكونهم إلى جانب الحقيقة، هو موقف ملحّ (يوحنّا ٨ :٧). فعندما يبدو أنّ يسوع لا يصغي إليهم، لا يستسلمون ويستمرّون في التّشكيك به.

يبتعدون عن هذه المرأة، لأنّهم يشعرون بأنّهم بعيدون عن الخطيئة وعن الشّرّ؛ كما لو كانت الخطيئة تخصّ هذه المرأة وحدها، وكما لو كانت هذه المرأة تُختزل في خطيئتها، ليس إلّا.

إنّ الّذي يفعله يسوع هو إلغاء الفروقات بين المرأة ومُتّهميها. وها هو يتحدّاهم: "من كان منكم بلا خطيئة…؟" (يوحنّا ٨ :٧).يدعو إلى الإقرار بأنّ نفس الخطيئة الّتي تسكن فيها تسكن فيهم أيضًا.

لم تعد المرأة غريبة، ولا مختلفة، أو أنّه يمكن اتّهامها بهذه السّهولة؛ بل وجب الإقرار بتماهيهم معها، وتشبّههم بها لأنّ كلّ إنسان خاطئ أمام الرّبّ بنفس القدر، وأنّ الرّبّ وحده يستطيع أن يكون قاضيًا على قلب الإنسان.

يظلّ يسوع أثناء كلّ هذا الحوار منحنيًا، للكتابة على الأرض.

إنّها حركة غريبة، نفهم منها أمرين: في حين أنّ نظرة الاستفهام الخاصّة بالمتّهمين كانت مثبّتة على المرأة ومثبّتة على يسوع، فإنّ يسوع لا يبادلهم نفس النّظرة.

ثمّ يأخذ يسوع في الكتابة على الأرض. وما يُكتب على التّراب لا يبقى طويلاً: هكذا هي ذاكرة الرّبّ لخطايانا. تشبه الشّيء المكتوب على الرّمال: يختفي عند أوّل عاصفة ريح.

ثمّ يقف يسوع كي يتحدّث إلى المرأة، الّتي لم يتحدّث إليها أيّ أحد حتّى الآن. ويوجّه إليها سؤالين، لهما نكهة التّحرير. يا امرأة، أين هم؟ أما حكم عليك أيّ أحد؟ (يوحنّا ٨ :١٠).

لا يسألها أيّ شيء عن خطيئتها، عن ماذا اقترفت.لا يوبّخها ولا ينظر إلى ماضيها: إنّ نظرته مستقبليّة، "من الآن وصاعدًا" (يوحنّا ٨ :١١).

لقاء يسوع يُمثّل نقطة تحوّل للجميع.

بالنّسبة للمتّهِمين، لن يكونوا قادرين من الآن فصاعدًا على اتّهام أيّ شخص دون أن يتذكّروا أنّهم مُشاركون في الشّرّ الّذي يرونه في الآخر. كذلك هو الأمر بالنّسبة للمرأة، الّتي يبدو أنّها بلا مستقبل. بالعكس لها مستقبل، وهو ينشأ من اللّقاء مع رجل نظر إليها نظرة رحيمة حوّلت حياتها.

لا يخبرنا الإنجيليّ أيّ شيء عن مشاعر المرأة، وعن ندامتها اللّاحقة: إنّ مغفرة الرّبّ هي مجّانًا تمامًا، وبشكل غير متوقّع، وتسبق أيّ توبة.

هذه التّجربة بالتّحديد يمكنها أن تحوّل القلب، وأن تتيح له فرصة حقيقيّة للشّعور بثقل خطيئته الشّخصيّة وبدء حياة جديدة، وأن تجعله يبادل الحبّ بالحبّ."