لبنان
14 نيسان 2017, 11:10

عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي يوم الجمعة العظيمة

ترأس البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي رتبة دفن المسيح في الصرح البطريركي في بكركي وبعد تلاوة الأناجيل الأربعة، ألقى عظة جاء فيها:

"نسجد لك أيّها المسيح ونباركك، لأنّك بصليبك المقدّس خلّصت العالم"

 نحتفل برتبة السجدة لصليب يسوع الّذي أتمّ به سرّ فداء الجنس البشري، بقبول الآلام والموت طوعًا من اجل خطايا كلّ إنسان. فهو يغسلها بدمه المراق على الصّليب، ونحن نتوب عنها منفتحين للغفران من فيض رحمة  الله.

 استمعنا بخشوع للأناجيل الأربعة، ورافقنا ربّنا يسوع في آلامه وموته. فتأمّلنا بحب الله اللاّمتناهي لكل إنسان ليقيمه من ضعفه.فيستطيع القول مع بولس الرّسول: "أتى يسوع المسيح إلى العالم ليخلّص الخطأة الّذين أوّلهم أنا" (1 تيم 1: 15).

 لقد اتّضح لنا سرّ صليب المسيح الّذي نسجد له: فهو رمز الحب الإلهي بوجه ظلم البشر. هو علامة تحويلٍ لأكبر فعل ظلم إلى أكبر فعل حبّ غسل خطايا البشر. هو أيقونة أعظم ذبيحة ذات قدّمها  بحب بوجه الحقد الأعظم والأعمى. هو طريق القيامة بوجه أداة الموت. 

   هو علامة الطّاعة بوجه الخيانة والتمرّد. هو راية النّصر، بوجه منصّة الإعدام وقوى الإضطهاد.

 ثلاثة وجوه ترافق يسوع وتدعونا لنكمل الطّريق.

 الوجه الأوّل، مريم أم يسوع. لقد مشت معه طريق الجلجلة بألم الأم العميق، مشاركة إيّاه بآلامه وموته، وبقوّة كلمة "نعم" الّتي قالتها يوم "البشارة"، وباستذكار كلمة سمعان الشّيخ لها، ويسوع طفل ابن ثمانية أيّام: "أمّ أنت فسيجوز قلبك سيف" (لو 2: 35). وهي تسير مع كل أبنائها وبناتها في العالم الّذين تسلّمت أمومتهم من فم ابنها على الصّليب بشخص يوحنا الحبيب : "يامرأة هذا ابنك" (يو 19: 26).

 في "نعم" البشارة أصبحت مريم أمّ يسوع التّاريخي، وفي "نعم" الجلجلة أصبحت أمّ المسيح السّري أي الكنيسة.

  إنّها مثال كل أم في موقفها تجاه كل متألّم في بيتها. ومثال كل امرأة تتكرّس لخدمة المتألّمين. بل هي مثال كلّ إنسان يشارك الآخر في وجعه وحالته المرّة. إلى مريم يتّجه نظر كل امرأة في محنتها لتستمدّ منها العزاء والقوّة. وكذلك نظرُ كل انسان.

 الوجه الثّاني سمعان القيرواني الّذي سخّروه ليساعد يسوع في حمل صليبه. سخّروه، لكنّه قبِل التسخير بحب، وشعر بقوّة من نعمة خشبة صليب الفداء. يسوع من قبله وأساسًا، قبل حكم إعدامه صلبًا وحوّله فعل حب عظيم لفداء البشريّة جمعاء. هذه لنا مدرسة تعلمنا كيف نحول الشر خيرًا، والحرب سلامًا، والنزاع تفاهمًا، والاساءة غفرانًا، والخطيئة مصالحة.

 عندما يدق الالم باب ذاتنا او بيتنا او محيطنا، ندرك اننا مدعوون، من خلال هذا الالم لنشارك في آلام المسيح لفداء العالم. فنقول مع بولس الرسول: "أُتّم في جسد ما نقُص من آلام المسيح". هذه هي القديسة رفقا، هذه هي القديسة تريز الطفل يسوع. لا احد يستطيع ان يختار صليبه، بل الصليب يُوضع على كتفه، ينبغي ان يكون في جهوزية لحمله. فالمسيح هذه المرة هو الذي يساعده على حمل هذا الصليب، مثلما فعل سمعان القيريني.

 الوجه الثالث يوحنا التلميذ الحبيب والاحب على قلبه يسوع. ظلّ وفيًا امينًا مخلصًا ليسوع حتى اقدام الصليب، من دون خوف، متحديًا حقد الصالبين وتهديداتهم. فعل ذلك بقوة الحب  الذي في قلبه ليسوع. الحب قوة لا تقهر، وشجاعة لا تخاف، وصمود لا يتزعزع.

 لقد مثّل يوحنا كل انسان مفتدى بدم المسيح، واصبح بالتالي متحدًا بكل انسان، جاعلاً اياه اخًا له وابنًا لمريم، التي اخذها يوحنا خاصته "يا يوحنا هذه أمك" (يو 19: 27).

 الى هذه الام السماوية يلجأ كل انسان في كل حالة من حالات حياته، ولا سيما في كل محنة وصعوبة.

 مع موت يسوع طويت صفحة كاملة من تاريخ البشر، وينبغي ان يطوي كل واحد وواحدة منا صفحته العتيقة، لنبدأ فجرًا جديدًا مع فجر القيامة. فالمسيح مات من اجل خطايانا، وقام من اجل تبريرنا. ونحن نسجد لك ايها المسيح ونباركك، لانك بصليبك المقدس خلصت العالم. آمين