العراق
20 شباط 2023, 14:20

ساكو: مسيحيّو الشّرق كنز ينبغي المحافظة عليهم

تيلي لوميار/ نورسات
في ضوء الجمعيّة السّينودسيّة القارّيّة للكنائس الكاثوليكيّة في الشّرق الأوسط الّتي عُقدت الأسبوع الماضي في لبنان، أكّد بطريرك الكلدان الكاردينال لويس روفائيل ساكو على أهمّيّة الشّعب المسيحيّ في هذا الشّرق وتاريخه، فكتب بحسب إعلام البطريركيّة:

"شعبٌ يعيشُ في التّاريخ  

نحن سكّان الأرض الأصليّون، نحن هنا قبل المسيحيّة، وبقينا فيها مع المسيحيّة نحو ألفي سنة. عند قدوم المسلمين كنّا الغالبيّة. وتوصّل آباؤنا معهم بحكمتهم الى عقد للعيش المشترك Modus vivendi لإدارة شؤونهم الخاصّة، والنّظر في قضاياهم عِبر محاكمهم الكنسيّة.

يعيش المسيحيّون حياتهم في تاريخ أيّامهم السّابق منه والحاليّ، وفي المجتمعات حيث يقيمون وليس خارجًا عن التّاريخ. و تعايشوا مع  الأرض واعتبروها وطنهم، أيّ مكانًا للمشاركة مع مواطنيهم و إذ خلقوا مجالاً للتّعاون الفعّال بينهم. وأذكر هنا دورهم الرّائع في زمن الأمويّين وفي النّهضة العلميّة في العصر العبّاسيّ الذّهبيّ حيث ساهموا بمهاراتهم وعلومهم في ترجمة المعارف اليونانيّة إلى السّريانيّة والعربيّة من خلال تأسيسهم صرحًا ثقافيًّا أطلقوا عليه اسم "بيت الحكمة".

وعند قيام دولهم الحديثة لم يألوا المسيحيّون جهدًا في المساهمة في بنائها، ولم يدّخروا طاقاتهم الخلّاقة في سبيل تطوّر الحياة بكلّ مفاصلها. وكانوا يحوّلون مشاعر القلق والخوف وعدم اليقين تجاه المستقبل بسبب الحروب والصّراعات إلى الصّلاة لأنّهم يؤمنون بأنّ التّاريخ تدبير إلهيّ "إنّي في ظلّ جناحيك أعتصم" (مزمور 57/ 1).

صحيح أنّهم في الخمسين سنة الماضية وبسبب التّحدّيات الجمّة انغلقوا على ذاتهم وكنائسهم، لكنّهم أمام الشّعور بعدم الأمان لجأ العديد منهم إلى الهجرة كحلّ لمشاكلهم…

والحصيلة أنّ المسيحيّين غَدَو أقلّيّة عدديّة في أرضهم، لكنّهم أقلّيّة نوعيّة بثقافتهم ومهاراتهم وإخلاصهم لأوطانهم ولا يزالون يمثّلون علامة رجاء لشعوبهم.

شعب جريح

لقد أثّرت الأزمات المتلاحقة في العقدين الأخيرين على حياة المجتمعات الشّرقيّة إلى حدّ كبير: ومنها على وجه الخصوص الصّراعات، تنامي التّطرّف الّذي يبثّ الكراهيّة ويغذّي الأحقاد، تصاعد وتيرة العنف والعقليّة الطّائفيّة والمحاصصاتيّة، وظاهرة الميليشيّات والفساد السّياسيّ والاقتصاديّ، ولعدم وجود قوّة رادعة (دولة قويّة) ولا قانون يُنفَّذ..

إنطلاقًا من واجبها الوطنيّ، دافعتْ الكنائس عن الحضور المسيحيّ، لكن الكنيسة لا تقوم مقام الدّولة مهما كان تأثيرها في المجتمع. المشكلة هي في عجز المسؤولين، بتدوير الزّوايا لبناء نَسَق مشترك يضمن حقوق الجميع. كذلك عدم تعاطي الدّولة مع هموم المواطنين وفشلها في إرساء قواعد الاحترام المتبادل والشّراكة الإنسانيّة والوطنيّة، خصوصًا في التّعامل مع ما يعانيه المسيحيّون من صعوبات وعدم إلائهم عناية خاصّة، وتثبيتهم في أرضهم بشكل موضوعيّ، وحماية حقوقهم كاملة، ما دفع النُّخَب الوطنيّة والمسيحيّة إلى الهجرة. لأنّ واقع أوطانهم غير مريح!

المستقبل: السّينودسيّة المعيّة- السير معًا

انّ فكرة السّينودسيّة الّتي طرحها البابا فرنسيس عام 2021 للسّير معًا ليست للكنيسة الكاثوليكيّة فحسب، إنّما لكلّ الكنائس ولكلّ المؤمنين بالله. إذ يتحتّم عليهم ان يسيروا معًا بشكل من الأشكال وليس منعزلين، لأنّ توجّهم هو نحو الله والإنسان من خلال العودة إلى الرّوحانيّة العميقة والإصغاء إلى ما يريده الله منّا، والأمانة لصوته لنكتشف شيئًا فشيئًا إرادته.

علينا نحن المسيحيّين، أن ننزع الخوف ونندمج في أوطاننا، معنيّون مع المسلمين بالتزام بعضنا البعض في هذا الشّرق من خلال توسيع أسلوب الحوار بوعيٍّ أكبر. إنّه قدَرُنا، إنطلاقًا من الأفق الإنسانيّ والإيمانيّ والوطنيّ، أن نعمل لخدمة أوطاننا ومواطنينا، بعيدًا عن الأوهام والأنانيّة والانعزال، للوصول إلى غايات حَسَنة ومقدَّسة بدون ضغط خارجيّ أو طائفيّ.

إنّه من الضّرورة، من أجل تجديد الذّهنيّة الحاليّة عِبر الخروج من الذّات، والانفتاح على الآخر، وحمل آلام بعضنا البعض كإخوة ومواطنين، والحفاظ على تنوّعنا ووحدتنا، والأمانة على الإيمان بالله كمصدر ثقة وثبات. وهنا أشدّد على دور المرجعيّات الدّينيّة، على نشر ثقافة الاعتراف بالآخر وقبوله واحترام عقيدته الدّينيّة. هذا الشّعور الإنسانيّ والإيمانيّ والوطنيّ سيولّد فينا توافقًا وانسجامًا ومسؤوليّة وعملاً مشتركًا لصالح الجميع.

المسارات

لنركّز على المسارات الآتية:

* صيانة حياة كلّ إنسان وحقوقه وكرامته لأنّه صورة الله، ولأنّ الله خلقه ليعيش بشكل لائق ومحترم وسعيد.

* إرساء روح المحبّة والتّسامح والاحترام والكرامة، والتّضامن والتّعاون المبنيّ على الثّقة المتبادلة والتّواصل المجتمعيّ وفق الخير العامّ، لأنّ هذه الأفكار تنبع من رسالة الأديان.

* ثقافة المكوّنات والعقليّة الطّائفيّة لا تخدم قيام دولة وطنيّة حديثة، دولة قويّة وذات سيادة. المواطَنَة تقوم على الفرد وليس على الدّيانة، والمواطَنة تعني المساواة، وأنّ القانون يحمي حقوق الجميع وواجباتهم. علاقتنا مع الأرض- الوطن هي علاقة مع كلّ ما هو موجود عليها. وإكتسبنا هويّة هذه الأرض بسبب ارتباطاتنا الكثيرة فيها، كونها الأقوى والأهمّ، لأنّ الهويّة القبليّة والطّائفيّة تُضعِف الهويّة الوطنيّة.

* ثقافة السّلام تقوم على الاحترام والتّسامح والتّعايش بدل ثقافة الانتقام. والعيش المشترك هو ضرورة وجوديّة ما دمنا نحتاج إلى بعضنا البعض. هناك أسس إنسانيّة ودينيّة واجتماعيّة للعيش معًا. من المؤسف أنّ كلّ المكوّنات تعيش حالة من الانقسام والتّخندق.

لينعم الله علينا جميعًا بصفاء القلب والبصيرة."