لبنان
01 نيسان 2018, 05:30

بسترس في قدّاس سبت النور: نصلّي في هذا اليوم المقدس ليشرق نور المسيح على لبنان وعلى العالم كلّه

ترأّس راعي أبرشية بيروت وجبيل وتوابعهما لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك المطران كيرلس بسترس قدّاس سبت النور، في مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك، عاونه فيه الأرشمندريت اندره فرح والنائب الأسقفي الأرشمندريت سليمان سمور، بحضور النائب ادغار معلوف، الوزيرين السابقين الياس حنا وسليمان طرابلسي، رئيس رابطة الروم الكاثوليك مارون ابو رجيلي، وحشد كبير من المؤمنين. وبغد الانجيل المقدّس، ألقى بسترس عظةً، جاء فيها، بحسب الوكالة الوطنيّة:

نعيّد اليوم لنزول ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح، من بعد موته، الى الجحيم، لينقذ منها جميع الأموات وينقلهم الى الحياة الأبدية. وهذا ما يشير اليه نشيد النهار: لما نزلت الى الموت، أيّها الحياة الخالدة، أمتّ الجحيم بسنى لاهوتك، ولما أقمت الأموات من تحت الثرى، صرخت جميع قوات السماويين: أيّها المسيح الهنا، يا معطي الحياة، المجد لك.

هذا ما تصوّره إيقونة القيامة البيزنطيّة، فنرى السيد المسيح منحدراً الى مخادع الموت، الى الجحيم، وهي كناية عن المقرّ الذي كانت تتجمّع فيه، بحسب الاعتقاد القديم، نفوس الراقدين، منتظرة يوم القيامة العامة. فالإيمان المسيحي يعلن أنّ قيامة يسوع هي في الواقع بدء القيامة العامة. فالمسيح، بعد موته، قام من بيت الأموات، ونزل الى الجحيم وحطّم أبوابها وقيودها، وانتزع من يد الموت والفساد نفوس الراقدين. فيظهر المسيح في الأيقونة ممسكاً بيدي آدم وحواء، اللذين هما رمز البشرية كلّها، داعياً إيّاهما الى الحياة الجديدة، وداعياً معهما البشر جميعهم الى قيامة الحياة الأبدية. لذلك يظهر على يمين ويسار الأيقونة أنبياء وصديقو العهد القديم، الذين تنبّأوا عن مجيء المسيح، وكانوا ينتظرون الخلاص الذي سوف يتحقّق على يده. وها هم الآن يقومون معه الى حياة المجد.


ندعو هذا السبت سبت النور. وفيه نقيم، قبل القدّاس الالهي، رتبة تقديس النّور. فالجحيم هي مقرّ الظلمة، والظّلمة هي رمز الموت، أمّا النور، فهو رمز الحياة. والمسيح هو كلمة الله الذي، بحسب انجيل يوحنا، فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه. وقد قال عن نفسه: أنا نور العالم. فمن تبعني لا يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة. فبنزوله الى الجحيم أزال الظلمة ولاشى سلطان الموت. ونحن المسيحيين، منذ معموديتنا، تقبّلنا نور المسيح. لذلك تدعى المعمودية "استنارة". ومنذ معموديتنا، شاركنا المسيح في موته وقيامته، فمتنا عن الخطيئة التي مات المسيح ليفتدينا منا، وقمنا الى حياة النعمة. والظلمة التي هي رمز الموت هي أيضاً رمز الخطيئة. لذلك يقول بولس الرسول: لقد كنتم من قبل ظلمة، أمّا الآن فأنتم نور في الرب، فاسلكوا كأبناء النور. فانّ ثمر النور لفي كل صلاح وبر وحق. لذلك قد قيل: استيقظ أيّها النائم، قم من بين الأموات فيضيء لك المسيح.

وبعد تقديس النور، يعلن الكاهن: أنّ نور المسيح يضيء للجميع، وننشد لأورشليم الجديدة، التي هي الكنيسة: استنيري، استنيري، يا أورشليم الجديدة، لأنّ مجد الرّب قد أشرق عليك. نصلّي في هذا اليوم المقدس ليشرق نور المسيح على لبنان وعلى العالم كله، فيزيل من قلوب الناس كل أنواع الظلمة من حقد وبغض وتفرقة وكل ما يقود الى الموت، لتحقّق الكنيسة رسالتها فتمتلئ من نور المسيح لتكون نور العالم، ويؤدّي لبنان دوره بأن يكون رسالة محبّة وتضامن بين جميع مواطنيه. انّ نور المسيح يضيء للجميع، وكل عيد وأنتم بخير.

ويتقبّل بسترس التّهاني بعيد الفصح غداً الاحد من الساعة 4,00 بعد الظهر لغاية الساعة 7,00 مساءً.

وكان بسترس قد ترأّس الجمعة رتبة الصّلاة الجنائزيّة، عاونه فيها فرح وسمور ، بحضور وزير الدولة لشؤون التخطيط ميشال فرعون، الوزيران السابقان نقولا الصحناوي وحنا ابو رجيلي، المرشح للانتخابات النيابية ايدي معلوف وشخصيّات، وحشد كبير من المؤمنين.

والقى بسترس عظةً، قال فيها: "احتفلنا برتبة صلب المسيح، ومن بين الصلوات الجميلة التي تلوناها قول المسيح لليهود: يا شعبي، ماذا صنعت لك، وبماذا آذيتك، انّي أنرت عميانك، وطهرت برصك، وقومت الرجل الذي على السرير. يا شعبي، ماذا فعلت لك، وبماذا كافأتني، عوض المن مرارة، بدل الماء خلّاً. عوض أن تحبّني سمّرتني على الصّليب، فلا أستطيع الى الصّبر سبيلاً. سأدعو الأمم، فهم يمجّدونني مع الآب والروح القدس. وأنا أهبهم حياة أبدية.

نتساءل لماذا طلب اليهود من بيلاطس أن يحكم لهم بصلب المسيح، ففي أحد الشعانين، راحت الجموع تحيي يسوع قائلين: مبارك الآتي باسم الرّب ليعيد مملكة أبينا داود. وبعد بضعة أيام راحوا يصرخون أمام بيلاطس: ليصلب. ولما سألهم بيلاطس: أأصلب ملككم، أجابوه: ليس لنا ملك غير قيصر. لقد زال ملك قيصر وصلبت مع المسيح مملكة داود، وقامت عوضاً منها مملكة الحق. فعندما مثل يسوع أمام بيلاطس سأله بيلاطس: أأنت ملك؟ أجابه يسوع: انّ مملكتي ليست من هذا العالم. جئت الى العالم لأشهد للحق، فكل من كان من أهل الحق يسمع صوتي.

وانّ تاريخ البشرية هو تاريخ الصّراع بين الحق والباطل. جاء يسوع الى العالم ليشهد للحق، وقد أوجز الانجيلي يوحنا رسالة يسوع بقوله انّه الطريق والحق والحياة. أين نحن اليوم من أتباع الحق ومن الشهادة للحق، ماذا نرى في العالم، على الصعيد العالمي، معظم الدول لا تعرف الحق، بل تتبع مصالحها السياسية والاقتصادية. وعلى صعيد لبنان يسود الفساد، وتسود الرشوة، ويسود الباطل بين الأفراد وفي المجتمع وفي كثير من مؤسّسات الدولة. يقول بولس الرسول: جميع الذين لا يسيرون بحسب المسيح يعيدون في أنفسهم صلب ابن الله. صلب اليهود يسوع وأودعوه في قبر، ووضعوا حرّاساً على باب القبر، واطمأنوا أنّه مات وقضي عليه. لكن الحق لا يمكن أن يموت. ولا يمكن لقبر مهما كان محكماً أن يضبط الضابط الكل، كما نقول في صلاتنا: في قبر وضعت يا يسوع الحياة، إلا أنّك حللت سلطان الموت، وأنبعت للبشر الخلود. لذلك قام المسيح، وتلاميذه الذين كانوا أثني عشر بالعدد صاروا اليوم مئات الملايين.

فالمسيح الحقّ لا يزال حيّاً منذ ألفي سنة، وسيبقى هو هو أمس واليوم الى الدّهور. وستبقى كنيسته تشهد للحق، وسنبقى نحن تلاميذه نشهد للحق ونعيش الحق في حياتنا الشخصية وفي عائلاتنا وفي مجتمعنا. ونطالب المسؤولين في الدولة ان يتعالوا عن مصالحهم الفردية الأنانية الضيقة، لينظروا الى مصلحة الشعب ومصلحة هذا الوطن الذي ليس هو مجرد وطن، بل هو رسالة مودّة وتضامن بين مواطنين من مختلف الطوائف والمذاهب، ورسالة حرية وسلام للشّ،رق كما للغرب. ونطلب من المواطنين أن يقبلوا جميعاً على الانتخابات النيابية، ويختاروا لمجلس النواب الجديد من يمثل حقّاً هذه القيم. أعاد الله عليكم وعلى عائلاتكم وعلى وطننا لبنان هذه المواسم المقدّسة لسنين كثيرة. وكل عيد وأنتم بخير."