سوريا
28 كانون الأول 2023, 12:50

العبسيّ احتفل بعيد تهنئة والدة الإله وعيد القدّيس يوسف في الطّبالة

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكييّن الكاثوليك يوسف العبسيّ، وبمشاركة النّائب البطريركيّ العامّ في دمشق المتروبوليت نيقولاوس أنتيبا، اللّيتورجيا الإلهيّة المقدّسة بمناسبة تهنئة والدة الإله وعيد القدّيس يوسف خطيب والدة الإله، في كنيسة القدّيس يوسف- الطّبالة، بحضور كهنة الرّعيّة ولفيف من كهنة الأبرشيّة وأبنائها.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى العبسيّ عظة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

"ما زلنا في هذا اليوم الثّاني لميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح بالجسد نعيّد وننعم بهذا العيد رافلين بالرّجاء والفرح والسّلام الّتي أزهرت في قلوبنا. إنّ حدث الميلاد قد خلق شيئًا جديدًا في العالم لا يستطيع المرء أن يقف بإزائه لا مباليًا. لا بل إنّ هذا الحدث يثير في كلّ امرىء إن لم يكن ردّة فعل أو موقفًا أو تصرّفًا فعلى الأقلّ تساؤلاً. وهذا ما حدث بالفعل لجميع الّذين شهدوا ميلاد ربّنا يسوع المسيح إذ قد كانت لهم مواقف وتصرّفات متنوّعة، ولنا في إنجيل اليوم أمثلة على ذلك أودّ أن أتوقّف عليها لنأخذ منها عبرة.

في الإنجيل الّذي تلي على مسامعنا نستطيع أن نميّز فئات من النّاس شهدوا الميلاد وكان لكلّ فئة موقف أو حدث. وهؤلاء النّاس يمثّلون فئات من أناس اليوم ومنّا نحن المسيحيّين بنوع خاصّ. أكتفي اليوم بالتّكلّم عن المجوس وعن يوسف.

01- المجوس

الفئة الأولى هي المجوس. كان المجوس في تلك الأيّام حكماءَ بلادهم وعلماءها يبحثون عن الحقيقة، ليس فقط عن الحقيقة العلميّة بل أيضًا عن الحقيقة الماورائيّة يعني عن سبب وجودهم وغاية وجودهم. ولمّا وُلد السّيّد المسيح واهتدوا إليه أدركوا أنّه هو الحقيقة الّتي يبحثون عنها، أنّه هو الّذي يقوم عليه الكون كلّه والحياة، أنّه هو البداية والنّهاية، أنّه هو الّذي يعطي الوجود معنى. وقد سبقوا في ما عملوا ما أعلنه فيما بعد الإنجيليّ يوحنّا بقوله: "في البدء كان الكلمة... به كُوِّن كلّ شيء وبدونه لم يكن شيء واحد ممّا كُوِّن. فيه كانت الحياة... والنّعمة والحقّ به قد حصلا" (يوحنّا 1: 1-4، 17).  

إنّ هؤلاء المجوس يعلّموننا أنّ البحث عن الحقيقة والتّعرّفَ على الحقيقة واجب. وهذا الواجب نابع من أنّ هناك حقيقةً وهناك كذبًا وأنّ هناك نعم وهناك لا، ولا يستطيع المرء أن يعيش في الاثنين معًا، وقد نبّهنا السّيّد إلى ذلك حين طلب أن يكون كلامنا إمّا نعم وإمّا لا. والقدّيس الإنجيليّ يوحنّا الّذي قال إنّ يسوع هو الحقيقة قال أيضًا إنّ الشّيطان هو الكذب والكذّاب وأبو الكذب. فإنّ من الأخطار الّتي يتعرّض لها العالم المعاصر تمويهَ الأمور وخلطَ الأمور بحيث لا يعود الإنسان يميّز بين الحقّ والباطل، بين الخطيئة والنّعمة، فيعيشُ في ضياع تامّ، والأخطر من ذلك أن لا يعود الإنسان يرى ضرورة لهذا التّمييز وأن يعتبر كلّ الأمور متساوية، فلا حقّ ولا باطل، لا حقيقة ولا كذب.

02- القدّيس يوسف

أمّا القدّيس يوسف فإنّه في إنجيل اليوم خير مثال لنا في الطّاعة لله والعمل بمشيئته عزّ وجلّ. لقد كان رجلاً من سلالة أولئك الأتقياء في اليهود وفي مقدّمتهم إبراهيم الخليل، يجيد الإصغاء إلى الله حتّى ليكادُ قارىء الإنجيل يتخيّله لا شُغل له إلّا أن يصغي إلى الأوامر الّتي يتلقّاها من الله عن طريق الملاك: "لا تخفْ أن تأخذ امرأتك" (متّى 1:20)،"قم فخذِ الصّبيّ وأمّه واهرب إلى مصر" (متّى 2: 13)، "قم فخذِ الصّبيّ وأمّه وامضِ إلى أرض إسرائيل" (متّى 2: 20). كان القدّيس يوسف يطابق موجة سماعه على موجة كلام الرّبّ وكان خطُّ الاتّصال بينهما مفتوحًا على الدّوام بل كان بينهما خطّ أحمر مباشر. كان يوسف ينفّذ ما يقال له بحيث نستطيع أن نصفه بأنّه كان رسول الله، ملاك الله، إلى مريم ويسوع. ولئن كان الإنجيل قد وصف يوسف بأنّه رجل بارّ تقيّ فلأنّ الرّجل البارّ التّقيّ في الكتاب المقدّس هو الرّجل الّذي يكون كلام الله له منارة يهتدي بها وسبيلاً يسير فيه كما قال صاحب المزامير: "كلمتك مصباح لخطاي ونور لسبيلي". إنّ يوسف قدّيس من الّذين ينطبق عليهم كلام الله: "اسمع يا إسرائيل" وقدّيس يجدر بنا أن نتّخذه مثالاً في سماع كلام الله والطّاعة الصّامتة له تعالى. وليس عن عبث أن تكون الكنيسة الجامعة قد اتّخذته شفيعًا لها.

وإنّنا لنتساءل ما هو سرّ ملكة الإصغاء بل فضيلةِ الإصغاء بل نعمةِ الإصغاء عند القدّيس يوسف. السّرّ هو أنّه كان رجلاً صدّيقًا كما وصفه الإنجيل. والصّدّيق في الكتاب المقدّس معروفة صفاته:

فهو أوّلاً يخاف الله، أعني أنّه يفسح لله مجالاً واسعًا في حياته بل يفسح المجال كلّه، يعبده دون سواه ومنه يستلهم أفكاره وعواطفه وسلوكه، يهذي به تعالى، يتّخذه له كنفًا ويستحضره في كلّ وقت، في الصّبح والظّهر والمساء، كما يقول صاحب المزامير. وبتعبير آخر إنّ الّذي يخاف الله يتجنّد له، كما يقول القدّيس بولس، لذلك هو رجل إصغاء من الدّرجة الأولى. وهنا لا بدّ لنا نحن المسيحيّين من أن نتساءل إلى أيّ مدى نفسح مجالاً ليسوع في حياتنا. هل نلبّي رغبته في أن يأتي إلينا ويتّكىء في بيتنا ويتعشّى معنا؟ أم أنّ يسوع يبقى غريبًا عنّا أو طارئًا أو عابر سبيل؟

ثمّ إنّ الصّدّيق في الكتاب المقدّس هو الّذي يحفظ الشّريعة، أعني الّذي يحفظ كلام الله، يحفره في قلبه، ويطبّقه في حياته. "كلمتك مصباح لخطاي ونور لسبيلي": بهذه الكلمات ونظيرها الكثير كان صاحب المزامير يخاطب الله. وما كان تطبيق الشّريعة من قبل الصّدّيقين أمرًا ظاهريًّا خارجيًّا بل كان الصّدّيقون يستسيغون الشّريعة ويتأمّلون فيها بحيث تصبح جزءًا من كيانهم ومن حياتهم. لذلك كانوا في إصغاء تامّ لكلام الله، بما أنّ هذا الكلام كان حاضرًا على الدّوام في قلوبهم. ومن هنا تظهر لنا نحن أبناء العهد الجديد أهمّيّة التّأمّل المستمرّ في كلام يسوع واستحضاره في كلّ ما نقول ونعمل بحيث يكون سماعنا له ليس بالأذن وحسب بل خصوصًا بالقلب.

وإنّ الّذي يتّقي الله في الكتاب المقدّس هو بالتّالي رجل صديق لله، قريب من الله. هكذا سمّي البارّ الصّدّيق إبراهيم. لقد سمّي خليل الله أيّ صديق الله حتّى بات يُعرَف بلقبه أكثر ممّا باسمه. وهل أقرب إلى الله من القدّيس يوسف الّذي كان على اتّصال وعلاقة يوميّين مع الرّبّ يسوع ومريمَ أمِّه؟ وحين يكون المرء على اتّصال دائم بيسوع  ينقلب اتّصاله إلى صلاة. هكذا كان يوسف رجل صلاة  يقبس منها النّور الّذي يرشده ويهديه الطّريق في حياته، وهكذا استطاع أن يقبل إرادة الله الّتي جاءت مخالفة لأفكاره وتطلّعاته و"مشاريعه". وكما أنّ القدّيس يوسف قد استطاع أن يصير صديق الله باتّصاله الدّائم به، كذلك نحن نستطيع أن نكون أصدقاء ليسوع بتقرّبنا منه في سرّ القربان المقدّس حيث هو حاضر بجسده ودمه. إنّ تناولنا المتواتر لجسد يسوع ودمه يجعلنا حقًّا وفعلاً أصدقاء ليسوع.

03- تهنئة بالعيد

إنّ كنيستنا الرّوميّة الملكيّة الكاثوليكيّة تعيّد للقدّيس يوسف في يوم الأحد الّذي يلي عيد الميلاد. شاء الآباء أن يعيّدوا له اليوم لئلّا يضيع في الأحد القادم مع احتفالات رأس السّنة. فيطيب لي في هذه المناسبة أن أعايدكم بالعيدين: عيد الميلاد المجيد وعيد القدّيس يوسف وأن أصافح كلّ واحد منكم أيّها الأبناء المحبوبون. وإنّي أعايد بنوع خاصّ الآباء المحبوبين سامي وباسيليوس وبشّار الّذين يخدمون بتفان وغيرة وإخلاص في هذه الرّعيّة المحبوبة. وأعايد من يعمل معهم من الوكلاء والأخويّات ومربّي التّعليم الدّينيّ والمراسم والجوق والنّشاطات جميعًا. وأعايد معايدة خاصّة أصحاب وصاحبات العيد الّذين يحملون اسم يوسف بمختلف التّسميات. وإنّي معكم أرفع الصّلاة من أجل الجميع، الحاضرين والغائبين، الأحياء والأموات، الأصحّاء والمرضى، والمحسنين، راجيًا الطّفل الإلهيّ، بشفاعة القدّيس يوسف والسّيّدة العذراء،  أن يبارك علينا وأن يزرع في قلوبنا الفرح والسّلام والرّجاء وأن يجعلنا على مثالهما من الّذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها. آمين.

كلّ عام وأنتم بخير."