لبنان
27 آب 2019, 05:00

الرّاعي: المطلوب عدم خنق الشّباب بمجموعة قواعد تقلّل من قيمة المسيحيّة

تناول بطريرك الكنيسة المارونيّة مار بشارة بطرس الرّاعي في تنشئته الأسبوعيّة، الفصل السّابع من الإرشاد الرّسوليّ "المسيح يحيا" للبابا فرنسيس، والّذي يدور حول "راعويّة الشّبيبة"، وقال:

 

"نتناوله بموضوعين: الأوّل، قطاعاتٌ متنوّعةٌ لتعزيز راعويّة الشّبيبة؛ والثّاني، راعويّة الشّباب الشّعبيّة.
1. قطاعاتٌ متنوّعةٌ لتعزيز راعويّة الشّبيبة (الفقرات 224-229)
1) كثيرون من الشّباب يتذوّقون الصّمت والحياة الخفيّة مع الله.
2) يتزايد عدد الّذين، أفرادًا وجماعات، يتجمّعون للسّجود معًا أمام القربان.
3) آخرون يلتقون للتّأمّل معًا في كلمة الله.
كلّ هؤلاء يحتاجون من رعاة الكنيسة مساعدتهم بأساليب جديدةٍ وأنماطٍ جديدةٍ مناسبة، لكي يَدخلوا في عمق هذه الاختبارات الرّوحيّة.
4) تقييم وإعطاء دفعٍ متجدّدٍ للأوقات اللّيتورجيّة الأساسيّة كأسبوع الآلام والعنصرة والميلاد.
5) يميل الشّباب بالأكثر إلى الانفتاح على عطايا الله: الإيمان والمحبّة والخدمة لاسيّما للفقراء والأطفال. إنّهم يفضّلون نشاطات الخدمة على التّنشئة الرّوحيّة والعقائديّة.
6) وينبغي إعطاء أهمّيّة لتعابير الشّباب الفنّيّة كالمسرح والرّسم والموسيقى فإنّها ترفع الشّباب نحو قيمة الجمال والمشاعر وتكوين الهويّة الشّخصيّة.
القدّيس أغسطينوس كان يقول: "غنِّ وامشِ فتخفّف من تعب العمل، وتخرج من الكسل. غنِّ وامشِ، وتقدّم إلى الأمام في الخير، والإيمان المستقيم، والأعمال الصّالحة. غنِّ وامشِ".
7) الممارسة الرّياضيّة مع تجاوز ثلاثة: تأليه الأبطال، والاستعباد للمنطق التّجاريّ، وإيديولوجيّة النّجاح مهما كلّف الأمر. في أساس النّشاط الرّياضيّ يوجد الفرح، فرح التّحرّك والبقاء معًا. القدّيس باسيليوس كان يتّخذ مثال الرّياضيّين في تضحياتهم الإعداديّة وتمارينهم المضنية، ليدعو إلى النّضال الرّوحيّ من أجل السّموّ في سلّم الفضائل والخروج من الخمول والرّكود.
8) كثيرٌ من الشّباب والفتيان يعشقون الطّبيعة عبر الحياة الكشفيّة وأمثالها: فينظّمون مخيّماتٍ ورحلاتٍ وأيّامًا في الطّبيعة. هذه بروح القدّيس فرنسيس الأسيزيّ تدخلهم في مدرسة الأخوّة الشّاملة، والصّلاة التّأمّليّة.
كلّ هذه الإمكانات تفتح الشّبيبة على الأنجلة. ولكن توجد عطايا أخرى من الله لهذه الأنجلة: كلمة الله الحيّة والفاعلة: وحضور المسيح في سرّ القربان الّذي يغذّينا؛ سرّ التّوبة الّذي يجدّدنا؛ ونبع الغنى الرّوحيّ الذي لا ينضب. والكنيسة تحفظه في شهادة القدّيسين وتعليم آبائها الرّوحيّين. من الواجب دعوة الشّباب إلى ينابيع الحياة الجديدة، ولا يحقّ لنا حرمانهم منها.
2. راعويّة الشّباب الشّعبيّة (الفقرات 230-238)
هذه الرّاعويّة تأتي إضافةً إلى تلك الّتي تقوم بها الرّعايا والمنظّمات والحركات الرّسوليّة. ولكن ماذا تعني؟ الشّعب لا يعني هنا الهيكليّات في المجتمع أو الكنيسة، بل يعني مجموعة أشخاص لا يمشون كأفراد، بل كنسيج جماعةٍ تشمل الجميع، بحيث أنّ كلّهم يتشاركون في الخيرات العامّة؛ ولذا، لا تَقبل هذه الجماعة بإقصاء الضّعفاء والفقراء، بل تتلاءم مع خطوات هؤلاء والأخيرين لكي يصلوا جميعهم معًا.
تحتاج هذه الرّاعويّة الشّعبيّة إلى قادةٍ شعبيّين قادرين على دمج الجميع، وإدخال الفقراء والضّعفاء والمحدودين والمجروحين، في المسيرة الشّبابيّة.
تمتاز "راعويّة الشّباب الشّعبيّة" بأساليبها ونهجها وقاعدتها. فتتجنّب وضع عراقيل، بل تثق بمفاجآت الرّوح القدس الّذي يعمل كما يريد، وتنتظر تجلّيات عمله المجدّد للنّفوس وللكنيسة ولمؤسّساتها. هذا الانتظار ضروريٌّ ولاسيّما عند المصاعب. لقد نبّهَنا الرّبّ يسوع أنّه يوجد زؤانٌ بين زروع الحنطة. فيجب التّصرّف بالصّبر والحكمة والمعالجة الهادئة. يوجد بين الشّباب من لم يترعرعوا في عائلةٍ هادئةٍ ومتماسكة، أو لم يتنشّأوا في مؤسّساتٍ مسيحيّةٍ، وهم بالتّالي في طور النّضوج. ليس الإنجيل لنخبةٍ من الشّباب، بل هو لهم جميعًا على تباين أوضاعهم الشّخصيّة والعائليّة والاجتماعيّة. فالرّاعويّة الشّعبيّة تفتح أبوابها وتوفّر مساحات للجميع ولكلّ واحدٍ مع شكوكه وصدماته، ومشاكله، وبحثه عن هويّته، وأخطائه واختباراته للخطيئة، وكلّ صعوباته. إنّ مسيرة الرّبّ يسوع مع تلميذي عمّاوس (لو24: 13-35)، هي مثالٌ للرّاعويّة الشّعبيّة، كمسارٍ بطيءٍ، يحترم، يثق، يصغي، لا يتعب، يتحنّن، ثمّ يتكلّم، معلنًا كلام الله المنير لكلّ تلك الأحداث التي أقلقتهما، ففهماها. ثمّ في البيت عند كسر الخبز عرفاه. فغاب عنهما. أمّا هما فعادا للتّوّ إلى أورشليم، إلى الجماعة، الّتي كانا قد تركاها بداعي الصّدمة.
المطلوب عدم خنق الشّباب بمجموعة قواعد تقلّل من قيمة المسيحيّة، وكأنّها مجموعة أخلاقيّات، بل تربيتهم بشجاعة على تحمّل مسؤوليّاتهم، مع العلم أنّ الخطأ والفشل والأزمة تشكّل اختباراتٍ من شأنها تقويتهم في إنسانيّتهم. ومطلوبٌ أيضًا أن توفّر راعويّة الشّبيبة مساحاتٍ تشمل جميع أنواع الشّباب، بحيث يتجلّى وجه الكنيسة المفتوحة الأبواب. أمّا من جهة الشّبيبة، فالمطلوب لا أن يعرفوا كلَّ تعليم الكنيسة، بل أن يكونوا منفتحين لقبول الحقيقة الموحاة من الله.
وتشمل راعويّة الشّباب الشّعبيّة كلَّ الشّباب الّذين لهم نظرتهم الخاصّة للحياة، أو يعتنقون أديانًا أخرى، أو يعلنون أنّهم خارجون عن الأفق الدّينيّ. جميع الشّباب هم في قلب الله، وبالتّالي في قلب الكنيسة. ولكن نادرًا ما نترجم ذلك في العمل الرّاعويّ، وغالبًا ما نبقى منغلقين عليهم. أمّا الإنجيل فيطلب الشّجاعة في ذلك من دون أيّ ادّعاء أو اقتناص، شاهدين لمحبّة المسيح، ومادّين أيدينا إلى جميع شباب العالم.
كلّ أنواع التّقوى الشّعبيّة، ولاسيّما زيارات الحجّ، تجتذب الشّباب الّذين لا يندمجون بسهولةٍ في الهيكليّات الكنسيّة. فالتّقوى الشّعبيّة تعبيرٌ واقعيٌّ عن الثّقة بالله. وهي من أنواع البحث عن الله. فيجب تشجيعها وعدم التّقليل من قيمتها. ذلك أنّها نوعٌ شرعيٌّ لعيش الإيمان، وتعبيرٌ عن العمل الرّساليّ العفويّ الّذي يقوم به شعب الله."