لبنان
25 حزيران 2017, 16:50

الراعي : ليحافظ وطننا لبنان على رسالته ونموذجيّته في العيش المشترك بين الأديان والثقافات

ترأس البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي قداسًا احتفاليًا لمناسبة مئوية ظهورات العذراء فاطيما وتجديد تكريس لبنان وبلدان الشَّرق الأوسط لقلب مريم البريء من دنس الخطيئة من البرتغال. وبعد الانجيل المقدس، ألقى غبطته عظة بعنوان : ها منذُ الآن تطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القديرَ صنع بي عظائم (لو1: 46 و49)، جاء فيها:

 

1. بفرح كبير نحتفل بهذه الليتورجيا الإلهيّة مع أخينا الجليل البطريرك مار يوسف الثالث يونان، وسيادة المطران جورج اسادوريان ممثل غبطة البطريرك غريغوار بطرس العشرين بطريرك كيليكيا واخواني السادة المطارنة الموارنة وكاهن هذه الكاتدرائية الاب Carlos Cabecinhas ومعكم أيّها الآباء والرهبان والراهبات، وسائر المؤمنين الأحبّاء.

 

 توافدنا من لبنان والعراق وسوريا والاراضي المقدسة ومصر وبلدان الخليج ومن مختلف بلدان الانتشار، وبخاصة من اوستراليا وكندا والولايات المتحدة الاميركية واوروبا وغيرها لنواصل من جيل إلى جيل نشيد الطوبى لأمّنا وسيّدتنا مريم العذراء، سيِّدة فاطيما، في الذِّكرى المئوية الأولى لظهوراتها بدءًا من 13 أيار 1917 للفتيان الرعيان الثلاثة: Lucia و Jacinta و Francisco. ومعهم نواصل نشيد التمجيد لله على عظائمه في مريم الكلِّية القداسة. وجئنا لكي نجدِّد تكريس ذواتنا ولبنان وبلدان الشَّرق الأوسط لقلب مريم البريء من دنس الخطيئة، بحسب رغبتها. فهذا التكريس يردّ الخطأة إلى التوبة، ويوقف الحروب ويوطد السلام. وقد أكّدت أنّ «في النهاية قلبها الطاهر سينتصر». وسلّمت الفتيان الرعيان رسالة بثلاث كلمات: الرجوع إلى الله، والصلاة، والتوبة. وطلبت في المقابل الكثير من الصلوات والإماتات من أجل ارتداد الخطأة، لكي تنجِّيَنا وتنجيهم رحمةُ الله من نار جهنّم، وبخاصّة الذين هم بأمسّ الحاجة إلى هذه الرحمة". هي العذراء نفسها علّمت الرائين الثلاثة هذه الصلاة. هذا كان مضمون القسمَين الأوّل والثاني من سرّ فاطيما، الذي كشفته الأخت Lucia بأمر من مطران الأبرشيّة في 31 آب 1941.

 

2. ولقد جئنا نطلب شفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة فاطيما من أجل السلام في منطقة الشَّرق الأوسط، والاستقرار في لبنان، ليحافظ وطننا على رسالته ونموذجيّته في العيش المشترك بين الأديان والثقافات، وبخاصّة بين المسيحيّين والمسلمين، بفضل نظامه المنفتح على التعدّدية الثقافيّة والدينيّة في إطار من التعاون والتكامل والاغتناء المتبادل بعيدًا عن أيّ إقصاء أو تفرّد في السلطة، وعن طمسٍ لهويةِ أيّ من مكوّناته الاجتماعيّة والوطنيّة. وهذه أولى مقتضيات العولمة الإيجابية.

 

3. وجئنا أيضًا لنكرّم القديسَين الجديدَين الأخوَين Jacinta و Francisco اللَّذَين رفعهما على مذابح الكنيسة الجامعة قداسة البابا فرنسيس في 13 أيار الماضي، بمناسبة زيارته التقوية إلى سيِّدة فاطيما، لإحياء المئويّة الأولى لظهوراتها. إنّنا نواصل الصلاة التي علّمهم إيّاها الملاك في يوم من أيلول 19166 قبل ظهورات السيِّدة العذراء بسنة. ظهر الملاك للرائين حاملًا بيديه كأسًا فوقه قربانةٌ، تقطر منها نقطات دم. فركع الملاك مع الفتيان وجعلهم يردّدون وراءه  هذه الصلاة ثلاث مرّات: «أيّها الثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس. إنّي أعبدك بكلّ خشوع، وأقدّم لك جسد ودم ونفس وألوهة ربّنا يسوع المسيح، الثمين للغاية، والحاضر في كلّ بيوت القربان في العالم، تكفيرًا عن الإهانات التي تسيء إليه. وإنّي، باستحقاقات قلبه اللامتناهية، وبشفاعة قلب مريم الطاهر، ألتمس ارتداد الخطأة المساكين».

 

4. «ها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي عظائم» (لو1: 46 و49). إنّ مريم التي حقّق فيها الله عظائمه ظهرت للرائين الثلاثة في 13 ايار 1917 في محلّة CovadaIria، بمنظر صبيّة فائقة الجمال، مشعّة كلّها، وهي بلباس طويل ومنديل من الرأس حتى القدمَين. وسألتها Lucia: من أين أنتِ؟ فأجابت: من السماء! فقالت: ماذا تريدين منّا؟ أجابت: «أن تأتوا إلى هنا كلّ ثالث عشر من الشهر». وتوالت الظهورات.

 

5. إنّ عظائم الله هي التي جعلت مريم فائقة الجمال. ونعدّد ستًّا منها:

 

1. عقيدة الحبل بلا دنس. وهي أنّ العذراء مريم الكلّية القداسة عُصمت من دنس الخطيئة الأصليّة منذ اللَّحظة الأولى لتكوينها في حشا أمّها، بنعمة وإنعام خاصَّين من الله القدير، وبفضل استحقاقات يسوع المسيح، مخلّص الجنس البشري.

 

2. أمومتها للإله المتجسِّد. أعلنها مجمع أفسس (٤٣١) عقيدةً وهي أنّ مريم أصبحت حقًّا أمَّ الإله بحبلها بابن الله في حشاها. هي «أمّ الإله»، لا لأنّ طبيعة الكلمة الإلهي أو ألوهته اتّخذت بدءها أو وجودها من مريم القدّيسة، بل جسدُه البشري المقدّس المنعش بنفس عاقلة الذي اتّحد بشخصه الإلهي، هو الذي وُلد من مريم. وهكذا الكلمة صار بشرًا.

 

3. مريم البتول ودائمة البتولية. حبلت مريم بيسوع ابن الله بقوّة الروح القدس، من دون زرع بشري، وهي عذراء بتول. هذا عمل إلهي يفوق إدراك الإنسان وإمكانيّاته. وقد حقّق نبوءة أشعيا: «هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا» (أشعيا7: 14).

 

إنّ مريم، الأمّ والبتول، هي رمز الكنيسة، وتحقيقها الكامل. فالكنيسة بقبولها كلمة الله بالإيمان تصبح أمًّا. ثمّ بكرازتها للإنجيل وممارسة المعمودية تلد بنين، حُبل بهم بالروح القدس، ووُلدوا من الله لحياة جديدة لا تموت (راجع يو1: 13 و3: 5).

 

4. مشارِكة في عمل الخلاص والفداء. تعتبر الكنيسة أنّ مريم وسيطة للخلاص من خلال وساطة المسيح الوحيدة، وأنّ ما لها من تأثير على المؤمنين والمؤمنات إنّما ينبع من استحقاقات المسيح الفيّاضة (راجع الدستور العقائدي "في الكنيسة"، 58 و62).

 

5. مريم أمّ الكنيسة. تعتبر الكنيسة أيضًا أنّ مريم أمّ المسيح التاريخي، بفضل مشاركتها في آلام ابنها الخلاصيّة، قد أصبحت أمَّ المسيح الكلّي الذي هو الكنيسة. بكلام الملاك في البشارة، والإجابة بكلمة «نعم»، أصبحت أمَّ يسوع، وفي آلام الصليب أصبحت أمّ جسده السّرّي الذي هو الكنيسة بقوله: «يا امرأة هذا ابنكِ، ويا يوحنا هذه أمّك» (يو19: 26-27). إنّها أمّنا بالنعمة، وبأمومتها هي مثال للكنيسة في الإيمان والمحبة (راجع كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 936؛ خطاب الطوباوي البابا بولس السادس في 21/11/1964).

 

6. انتقالها بالنفس والجسد إلى السماء. عندما أنهت مريم مسيرة حياتها الأرضيّة، نُقلت بنفسها وجسدها إلى مجد السماء، حيث تشارك في مجد قيامة ابنها، مستبقة قيامة كلّ أعضاء جسده (كتاب التعليم المسيحي، 966؛ براءة إعلان العقيدة للمكرّم البابا بيوس الثاني عشر سنة 1950).

 

مريم بانتقالها إلى السماء، هي صورة الكنيسة وأبنائها وبناتها الذين هم في مسيرة حجّ  بإيمان ورجاء نحو بيت الآب السماوي، للمشاركة في مجد الثالوث القدّوس، الإله الواحد غير المنقسم، في شركة القدّيسين. بانتقالها إلى السماء، تواصل مريم الكلّية الطوبى أمومتها بالنعمة لجميع البشر، وتشفع بهم لينالوا الخلاص الأبدي، ولهذا تسمّيها الكنيسة المحامية والمعينة والوسيطة.

 

7. من اجل كلّ هذه العظائم التي حقّقها الله في شخص مريم الكلّية القداسة والفائقة الجمال، نعظّم الله معها، ونعطيها الطوبى. إليها، ملجأ الخطأة، نكل كلّ الخطأة، ونكفّر عن إساءاتهم لله بتوبتنا وأعمال المحبة والرحمة. وإليها، سلطانة السلام، نجدّد تكريس لبنان وبلدان الشرق الأوسط، ملتمسين من قلبها الطاهر أن تستمدّ لنا من ابنها، «أمير السلام» (أشعيا 9: 5)، الاستقرار، وإيقاف الحروب، والحلول السلمية للنزاعات، وإرساء السلام العادل والشامل والدائم، وعودة جميع المهجّرين واللاجئين المخطوفين إلى بيوتهم وأوطانهم.

 

ومن هذا المكان المقدّس الذي شهد عظائم الله المتتالية على مدى مئة سنة، ننشد: «تعظّم نفسي الربّ، وتبتهج روحي بالله مخلّصي، لأنّ القدير يصنع العظائم» (لو1: 46 و49).