لبنان
23 تموز 2019, 07:52

البطريرك الرّاعي: إذا مشينا معًا نتأصّل في الحاضر، نعود إلى الماضي، ونتطلّع إلى المستقبل

أنهى البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي أمس تأمّله بمضمون الفصل السّادس من الإرشاد الرّسوليّ: "المسيح يحيا" للبابا فرنسيس، خلال التّنشئة المسيحيّة، متوقّفًا عند موضوع "التّجذّر في الماضي والخطّة إلى المستقبل"، من خلال العنوانين "أحلام ورؤى، ومجازفة معًا".

 

وفي هذا السّياق، قال الرّاعي مستهلّاً بعنوان "أحلام ورؤى" (الفقرات 192-197): "هذا العنوان مستوحى من نبوءة يوئيل: "سيكون... أنّي أفيض روحي على كلّ بشر، فيتنبّأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبّانكم رؤى، ويحلم شيوخكم أحلامًا" (يؤ1:3؛ أعمال 17:2).
أحلام الكبار ورؤى الشّباب تتكامل: للكبار أحلام منسوجة مع الذّكريات، والصّور من أشياء عديدة معاشة، ومطبوعة بالخبرة وبسنوات العمر. إذا تأصّل الشّباب في أحلام الكبار، تمكّنوا من رؤية المستقبل، ومن امتلاك رؤى تفتحهم على أفق جديد، وتكشف لهم سبلًا جديدة. أمّا إذا لم يحلم الكبار، لا يستطيع الشّباب رؤية الأفق بوضوح.
كم هو جميل أن نرى بين أغراض البيت شيئًا حافظ عليه الوالدان أو الجدّ أو الجدّة كذكر يساعدنا لأن نتخيّل ما حلموا به لنا. كلّ كائن بشريّ، وقبل أن يولد، يتقبّل من أجداده، كهديّة، بركة حلم مليء بالحبّ والرّجاء، وهو الحلم بحياة أفضل. أمّا البركة الّتي تمتدّ من جيل إلى جيل، فينبغي أن نذكرها دائمًا لكونها حلمَ الله خالقنا وأبينا. حلم يسبق حياة كلّ أبنائه وبناته ويرافقها.
من المهمّ جدًّا سماع أخبار الكبار، لأنّها ملأى بالخبرة، والرّموز النّاطقة، والنّداءات المخفيّة، والحكمة. من الضّروريّ أن يسمعها الشّباب لأنّ فيها ما لا يجدونه في تقنيات التّواصل الاجتماعيّ.
في كتابه "حكمة الزّمن" (2018) وضع البابا فرنسيس بعض الأسئلة والأجوبة عليها. اختصرها هنا بالأجوبة:
- أطلب من الكبار وأنا منهم، أن يكونوا حرّاس الذّاكرة؛ وأن يشكّلوا جوقة تصلّي وتتشفّع من أجل الجماعة.
- وأطلب من الشّباب، بالنّسبة إلينا نحن الكبار، أن يدركوا أنّ الحياة من دون حبّ حياةٌ عقيمة.
- ونقول للشّباب: قلقكم بشأن المستقبل ستتخطّونه.
- ونعلّمهم أنّ سعادة العطاء هي أكثر من سعادة الأخذ".
وتابع الرّاعي متوقّفًا عند عنوان "مجازفة معًا" (الفقرات 198-201 )، فقال:
"المجازفة في الحياة ضروريّة ولو أدّت إلى أخطاء. فالله قادرٌ أن يخلق أمرًا حسنًا من أخطائنا. الحياة كقطعة القماش، وجهها متناسق وجميل، لكنّ ظهرها الّذي لا يرى، فمحبوكةٌ خيوطه.
إذا مشينا معًا، كبارًا وشبابًا، استطعنا أن نتأصّل تمامًا في الحاضر، ومن هذا الموقع، نعود إلى الماضي، ونتطلّع إلى المستقبل.
نعود إلى الماضي، لنتعلّم من التّاريخ، ولنشفي الجراح الّتي تكيّف حياتنا أحيانًا.
ونتطلّع إلى المستقبل، لنغذّي حماسنا، ونثمّر أحلامنا، ونثير النّظرات النّبويّة، ونُزهر الرّجاء. باتّحادنا نتعلّم من بعضنا البعض، ونضع حرارةً في قلوبنا، ونلهم أفكارنا بنور الإنجيل، ونعطي أيدينا قوّةً جديدة.
الجذور، ليست كمرساة، تربطنا بأزمانٍ أخرى، وتمنعنا من أن نتجسّد في عالمنا الرّاهن، لكي نخلق شيئًا جديدًا. بل على العكس، الجذور هي نقطة تأصّل تمكّننا من النّموّ والإجابة على التّحدّيات الجديدة. فلا نجلس لنتذكّر بحنينٍ الأزمنة الماضية، بل يجب أن نأخذ ثقافتنا بواقعيّةٍ وحبّ ونملأها من الإنجيل. نحن مرسَلون لنعلن اليوم بشرى المسيح السّارّة للأزمنة الجديدة، وفيما نحبّ زمننا بكلّ وجوهه الحلوة والمرّة، الجميلة والقبيحة.
السّير معًا، كبارًا وشبابًا، يقتضي من الشّباب عدم اعتبار الكبار ماضيًا غابرًا ينبغي تخطّيه، ومن الكبار عدم اعتبار أنّه من الواجب أن يعرفوا دائمًا كيفيّة تصرّف الشّباب".