لبنان
28 أيار 2021, 09:30

الأب الياس كرم: أميّ كم اشتقت إليك!

تيلي لوميار/ نورسات
في ذكرى رقاد والدته السّنويّة الأولى، وجّه الأب الياس كرم تحيّة إلى روحها وإلى روح كلّ الأمّهات الرّاقدات على رجاء القيامة والحياة الأبديّة، وكتب:

"أمّي الّتي افتقدها الله منذ سنة، واستدعاها إلى خدره السّماويّ وأسكنها في أحضان أبي الآباء إبراهيم.  

كم اشتقت إليك.  

كنت لي مصدر إلهام ومكان آمان. في الأحزان تعزية، وفي الفرح بَركة، وفي الشّدائد والصّعاب وضغوطات الحياة والأمراض. لم تتأخّري لحظة عن رفع الدّعاء والصّلوات إلى الله ليُزيل عنّا كلَّ التّجارب والأحزان.  

كنت المثل والمثال في تعليمي الصّلوات وتوجيهي إلى خدمة هيكل الله. لم تتوقّفي يومًا عن وعظي وإرشادي في سبيل أن أكون أمينًا لله وعفيف النّفس والحواس.

يحضر أمامي كلَّ يوم مشهد صلاة البراكليسي (صلاة تضرّ ع لوالدة الإله) الّتي كنت تصلّيها بورعٍ ودموعٍ منهمرة وانسحاق، أمام عظمة الله ونقاوة القديّسة مريم العذراء. شدّني هذا المشهد دائمًا وحملني إلى ممارسة هذه الفضيلة في صلواتي الفرديّة.  

لا أدّعي الكمال عند أمّي إلّا أنّي على يقينٍ أنّها سعت إليه. فهي نشأت وتربّت في كنف والدٍ خدم مذبح الرّبّ لما يزيد عن خمسين عامًا. وشهوةً اشتهتها أن يتكرّس وحيدها لإكمال مسيرة جدّه. وكان لها هذه الأمنية، على رجاء أن أكون أمينًا على القليل.

كم نحن اليوم بحاجة إلى أمّهات صالحات يسهرن على أولادهن سهر "كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَابًا للهِ". فالأمّ ركيزة العائلة الصّالحة والمؤمنة، وأساس المجتمعات الرّاقية، وهي بالإجمال كما يقول عنها سفر المزامير: اَلْحُسْنُ غِشٌّ وَالْجَمَالُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَّقِيَةُ الرَّبَّ فَهِيَ تُمْدَحُ" (سفر الأمثال 31: 30).

أمّي، كم اشتقت إلى وجهك واحتضانك وعطفك وتشجيعك ودعائك وتوجيهاتك الحكيمة، وعبارة "رضايي عليك يا الياس"، الّتي سمعتها مرارًا وتكرارًا على لسانك، وكانت آخر كلمة نطقت بها عشيّة رحيلك وأنت في المستشفى. كلماتك ستبقى ذخيرة لحياتي طالما حييت.

كنت مصدر إلهام لكثيرين، ونسمة خير. خدمتِ والدي بإخلاص طوال فترة مرضه، والّذي طال سنوات عديدة. احتملت فراق ابنتك البكر بقوّة الإيمان، وكنت تقوّينا على صعوبة الفراق، وتخفي وجعك وحزنك، كما أخفيته عند فراق شقيقك في عزّ عطائه. هذه الميّزات وشوقك تجاه شقيقتي الكبرى، لمسه الرّبّ فاختطفك إلى ملكوته السّماويّ لتكوني معها في أحضان مريم العذراء، وإلى أترابكِ الّذين سبقوكِ إلى دنيا النّعيم.

أمّي، في الذّكرى السّنويّة الأولى على رحيلك، أستمطر رحمات الله على روحك الطّيّبة، على مناقبيّتك وأخلاقك العالية، ومحبّتك للغريب قبل القريب، بشهادة المحبّين والمخلصين، الّذين فهموكِ وعرفوكِ حقّ المعرفة، وأنصفوكِ بكلمات مؤثّرة في وداعك، وما زالوا أوفياء لذكراك.  

غادرتنا قبل أن تعايني ما وصلنا إليه من درك في حياتنا ومجتمعنا وبيئتنا وهمومنا المعيشيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والوطنيّة. غبت عن المشهد السّياسيّ العامّ، أنت الّتي كنت تنهلين من عالم التّحاليل الإعلاميّة الشّيء الكثير. وكما كان همّك صحّة الوطن والمواطن، صلّي إلى الباري أن يفتقدنا بعطفه وحنانه، وهو السّميع المجيب لطلبة الأبرار.  

أشكر الله أنّك ارتحلت، إلى الملكوت العلويّ، متصالحة مع نفسك ومع الآخرين، ومع الله الّذي سكب عليك سلامه الدّاخليّ. فناداك يا ماري قائلًا: "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ". فأنا على يقين أنّه وضع لك إكليل البرّ الرّبّ الدّيّان العادل. فليكن ذكرك يا أمّي مؤبّدًا.  

رحم الله جميع الأمّهات الرّاقدات على رجاء القيامة والحياة الأبديّة، آمين."