الحرديني... نعمة لبنان المقدّسة
في بداية تساعيّتكَ يا مار نعمة الله كسّاب الحرديني، في هذا الزّمن المبارك، كم يطيب لنا الوقوف أمام تواضعك ووداعتك. أنتَ يا من ذبت شوقًا في الله فلبستَ من أجله ثوب النّسك واخترتَ التّقشّف سبيلكَ. إجتهدت في أعمال الحقل كما في العلم واللّاهوت والفلسفة، وفيها كلّها كنتَ تصلّي وتصوم وتتأمّل بعظمة ربّ الأرباب، في حين لم تتخلّ في كلّ الأوقات عن رفيقيكَ الدّائمين: الكتاب المقدّس وكتاب "أمجاد مريم" الّتي أحببتَها حبًّا بنويًّا أبرزتَه في تكريمكَ المتواصل لها.
أسكب فينا رغبة القداسة؛ أطلعنا على أسرار انجذابكَ الدّائم إلى كنز السّماء؛ دعنا نتوق إلى الله الحيّ في القربان المقدّس فنتمثّل بكَ في تعبّدكَ له ونجرأ أن نسجد أمامه لساعات وساعات من دون ملل أو كلل.
أنتَ يا من تمثّلتَ بالقدّيسين الّذي سبقوكَ إلى ذاك العرش، فارتقيتَ السّلّم بحكمة كبيرة وقلب نقيّ وضمير حيّ، متجرّدًا من كلّ القشور، ساعيًا نحو الكمال الإنجيليّ بجرأة ملحوظة، جرأة لا تحابي الوجوه ولا تمدح أصحابها... يا من تتلمذ على يديكَ القدّيس شربل فكنتَ له خير معلّم، كن لنا أيضًا المعلّم الّذي يرفعنا إلى الانضباط الرّوحيّ في زمن كثرت فيه المعاصي والانجرافات.
أنتَ يا من اغتبط قلبكَ فرحًا وسرورًا، وسُكبت من عينيكَ الدّموع عند كلام التّقديس. يا من قدّمتَ تضحيات من أجل المسيح، فقهرتَ جسدك وجلدتَ ذاتكَ وتحمّلتَ الآلام، من دون أن تتخلّى عن مشيئته، كن لنا في هذا العيد السّراج الّذي يضيء ظلمة قلوبنا ويعيدنا إلى جذور الإيمان الحقيقيّ.
يا مار نعمة الله كسّاب الحرديني، إفتح آذاننا على صوت الرّبّ وقلوبنا على إلهامات الرّوح، وقُد خطانا نحو درب السّماء المزروع طاعة وقداسة، آمين.